لطالما احتل المسلمون والعرب بشكل عام مساحة عريضة من تاريخ الفن التشكيلي الغربي منذ الحملات الصليبية على الشرق. وهناك عدد ضخم من الرسامين المستشرقين الذين صوروا حياة العرب ونقلوها للغرب في لوحاتهم.
ونرى أن الحج بوصفه أحد العبادات الأكثر أهمية في حياة المسلمين قد احتل هو الآخر مساحة كبيرة في ذاك التصوير الاستشراقي الذي نقل إلى لغرب. كما أن هناك عددا من اللوحات العالمية التي تصور بالفعل الحج ذهابًا وإيابً لبلاد الحجاز.
وقد كان الحج حسبما يظهر في تلك اللوحات، وكما نقلت كتب التاريخ أيضا، ينطوي على قدر من المشقة التي في جوهرها جزء من المتعة الروحية للحج.
أربع لوحات لرسامين أوروبيين تصور ذلك المنسك الروحي. وتتمتع تلك اللوحات بشهرة كبيرة عالميًا وتحتل قوائم لوحات الاستشراق في عدد كبير من معارض ومتاحف الفن مثل متحف أورسيه في فرنسا.
حجاج في طريقهم إلى مكة
وتتصدر تلك القائمة لوحة “حجاج في طريقهم إلى مكة”، للرسام الفرنسي ليون أوغست أدولف بيلي (1827-1877)، وهي معروضة في متحف أورسيه في فرنسا. وقد قدمها في صالون 1861، وحصل بموجبها على ميدالية من الدرجة الأولى بسبب جمال وضخامة العمل. ويستهل متحف أورسيه تقديمه للوحة على موقعه الإلكتروني بقوله:
“منذ اللحظة التي قدمت فيها، قدر لها أن تكون تحفة فن الاستشراق. فقد اختار بيلي تقديم موضوع طموح على لوحة كبيرة الحجم بشكل غير عادي. إنه يصور قافلة طويلة من الحجاج تعبر الصحراء، وهي تشق طريقها نحو مكة، أقدس مدينة في الإسلام ومكان الحج لجميع المسلمين”.
ووفقًا للمتحف، قدم الفنان بعدًا عالميًا في لوحاته. حيث نجد على يمين اللوحة مجموعة من ثلاثة أشخاص، رجل يمشي بجانبه امرأة وطفلها على حمار. وهي إشارة لافتة إلى رحلة السيدة مريم وطفلها إلى مصر.
لوحة وصول المحمل
اللوحة الثانية هي “وصول المحمل لواحة في طريقه لمكة”، للرسام جورج إيمانويل أوبيز (1775-1841). وهو مستشرق ألماني رسم اللوحة عام 1805. وهي لوحة ضخمة أيضًا لا تخلو من الرموز والإيماءات.
فقد قدم جورج إيمانويل أوبيز في لوحته قافلة من الأشخاص الذين يقومون بهذه الرحلة معا لكنهم أتوا في الوقت عينه من خلفيات مختلفة. فنحن نرى في عدد من الشخصيات العثمانية على اليمين وآخرون يستريحون على اليسار، تنوعا كبيرا في العرق واللون، إلا أنهم جميعا توحدوا بالإيمان.
“موكب المحمل بشوارع القاهرة”
اللوحة الثالثة هي “موكب المحمل في شوارع القاهرة”، رسمت عام 1909، وهي للرسام النمساوي لودفيغ دويتش (1855-1935)، الذي عرف باهتمامه المفرط بحياة الشرق ولوحاته عن العرب والمسلمين.
ونرى في اللوحة عددًا من الحجاج بملابس الإحرام يحيطون بالمحمل وتظللهم الزينة وسط غيوم البخور البيضاء ويلوحون تعبيرًا عن ابتهاجهم بزيارة الأراضي المقدسة.
ورغم أن اللوحة لا تصور الوصول إلى مكة فإنها تظهر أن الرحلة هي المقصد لما فيها من صداقة وإخاء.
ووفقا للرسام، فقد كانت تلك القافلة تمضي في طريقها من أمام المجمع المزدوج لمسجد السلطان الغوري، آخر المباني المملوكية العظيمة التي شيدت في أوائل القرن السادس عشر. ويظهر بالفعل جزء من المسجد على يسار اللوحة.
عودة الحجاج من مكة
اللوحة الرابعة هي “عودة الحجاج من مكة” للرسام البريطاني هنري وارن (1794-1879). رسمت عام 1848، كانت معروضة في متحف لندن حتى عام 1976. ونرى فيها عددًا من الحجاج في واحة يستريحون من وعثاء السفر.
وكعادة معظم لوحات الحج للمستشرقين الأجانب، نرى المحمل على الجمل يتوسط اللوحة مع وجود دواب أخرى كوسيلة نقل مثل الحمير والأحصنة. كما يبدو في اللوحة أن مناسك الحج قد انتهت بالفعل حيث لا يوجد أحد بلباس الإحرام.
الشاهد، كل تلك اللوحات تظهر فيها روحانية الحج ومشقة السعي له كنوع من المتعة التي تظللها الزينة والهتافات. ورغم أن تلك اللوحات رسمت بيد مستشرقين أجانب لا يدينون بالإسلام، فإنها كانت أكثر قدرة على إظهار جوهر الفريضة.