كانت الحاجة للتواصل هي الدافع لبداية ظهور اللغات حول العالم. ولكن مع اختلاف أماكن وجود المجتمعات البشرية، اختلفت اللغات حتى بلغت 6000 لغة حول العالم.
اللغات وتصنيفها حول العالم
صنفت اللغات حول العالم إلى أربعة أقسام رئيسية، يدعى أولها اللغات الحقيقية وهي التي تستخدم بشكل واسع في العديد من الدول مثل اللغة العربية والإنجليزية والإسبانية. وثانيها اللغات المنقرضة وهي التي فقدت متحدثيها أو لم تتطور إلى لغات أخرى فحَال ذلك دون انتشارها.
أما القسم الثالث فيدعى اللغات القاصرة، وهي التي يقتصر استخدامها على بعض القرى والأماكن المنعزلة. وأخيرا قسم اللغات المصطنعة، وهي لغات اصطنعت ليتواصل بها العالم ككل، وتحتوي على مجموعة أحرف وكلمات مألوفة وسهلة للتواصل. لكن كيف وصل الإنسان لهذا التطور الهائل من تعدد اللغات حتى بلغت 6000 لغة؟
في دراسة نشرت حديثًا في دورية “بي أن أي أس” في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الجاري، قام العلماء في مركز لايبتسيش لبحوث الطفولة المبكرة ومعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية بدراسة كيف تطورت اللغة.
وعلى الرغم من أن تطور اللغة استغرق آلاف السنين، فإن فكرة اختبارها جاءت عبر مكالمات “سكايب”، وذلك عندما تواصل عالمان من ألمانيا هاتفيا مع زميلهما من الولايات المتحدة الأميركية من خلاله.
دور لغة الإشارة في التواصل
وجدت لغة الإشارة بوصفها وسيلة تواصل غير صوتية يستخدمها الصم والبكم باستخدام الأيدي والأصابع للتعبير عن الإشارات، وتمتد جذورها إلى القرن السادس عشر.
ويمكن ملاحظة تطور هذه اللغة عندما يجتمع أفراد غرباء من الصم والبكم مع بعضهم بعضًا، فإنهم يتوصلون إلى لغة إشارة فيما بينهم.
وتعد لغة نيكاراغوا أشهر لغات الإشارة والتي ظهرت في ثمانينيات القرن العشرين، والتي كان للأطفال الصم دور مهم في تطويرها. لكن لم يوثق هذا الأمر بالشكل الذي يمكننا من معرفة كيفية حدوثه وتطوره.
وهو ما يؤكده الباحث الأول للدراسة بمركز لايبتسيش لبحوث الطفولة المبكرة مانويل بون فيما نقله موقع ساينس ديلي قائلا “إننا لا نعرف كيف تطورت تفاعلاتنا الاجتماعية مع بعضنا بعضًا لتصبح لغة، ومن هنا جاءت فكرة بحثنا الحالي”.
الأطفال وقدراتهم العجيبة على التواصل
حاول الباحثون فهم هذه العملية بالضبط. ولكن كانت المشكلة تتلخص في كيفية جعل الأطفال يتواصلون مع بعضهم بعضا دون أن يتحدثوا بأي كلمة. جاء الحل عبر محادثات سكايب. إذ دُعي الأطفال إلى الإقامة في غرفتين مختلفتين.
أغلق بعدها العلماء الصوت عند كلا الطرفين وسمح للأطفال بالتواصل عبر سكايب. جاءت المفاجأة عندما بدأ الأطفال بعد وقت وجيز بإيجاد طرق للتواصل فيما بينهم دون الحاجة للغة منطوقة.
كانت المهمة الموكلة لهؤلاء الأطفال تتمثل في وصف صورة ذات أشكال مختلفة. فلما كانت الصورة لأشياء ملموسة كالمطرقة والشوكة، وجد الأطفال الحل بسهولة وذلك عندما قاموا بمحاكاة الفعل الذي تقوم به تلك الصور (مثل الأكل) بالإشارة.
هنا تحدى العلماء الأطفال بصور أكثر تجريدًا، على سبيل المثال قدمت للأطفال ورقة بيضاء كصورة. كان من الصعب محاكاة “اللا شيء”. يفسر جريجور كاشيل الباحث بجامعة لايبتسيش كيف أتقن طفلان منهم هذه المهمة قائلًا “في البداية حاولت الطفلة المرسلة بجميع الإيماءات والإشارات المختلفة، لكن زميلها المستقبل لتلك الإشارات لم يفهمها.
هنا أخذت المرسلة فجأة قميصا إلى جانبها وأشارت إلى نقطة بيضاء على القميص الملون. ومن هنا حققًا إنجازًا مذهلًا لتطوير المعرفة بينهما”. وكلما زاد الأمر تعقيدًا، انعكس ذلك أيضًا على الإيماءات والإشارات التي ينتجها الأطفال من أجل التواصل.
فعلى سبيل المثال، أوجد الأطفال إيماءات منفصلة ومختلفة وبدؤوا بالجمع بينها، ومن ثم بدؤوا بخلق نوع من قواعد اللغة المحلية الصغيرة.
خطوات تطور اللغة
وبالتالي بدأت خطوات تطويرهم للغة مشتركة من خلال خلق مرجعية للأشياء والأفعال وذلك بإعطائها إشارات تعبر عنها. وكان وجود خبرة مشتركة بين الأفراد فيما بينهم أمرا مهما، إذ بمرور الوقت تصبح العلاقات بين الإشارات والأشياء أكثر تجريدًا، وتصبح كل إشارة فردية أكثر تحديدًا.
وقد أوضحت هذه الدراسة أن التواصل لا يمكن اقتصاره على اللغة فحسب، فعندما انعدمت سبل استخدام كلمات منطوقة، أوجد الأطفال طرقا أُخرى للتواصل. ولهذا ترى بأن “أنظمة الاتصالات الحديثة ستساعد بمرور الوقت الأجيال الناشئة على نقل اللغة فيما بينهم وجعلها أكثر انتظامًا”.