تركت اللغة العربية أثرها الواسع، في عدد من اللغات، إلا أن أحجام هذا الأثر تختلف من لغة إلى أخرى، بحسب طبيعة الاختلاط بالعرب، أو اختلاط العرب بغيرهم، مثل الكلمات العربية في اللغات الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية أو الإيطالية أو التركية أو الأوردية.
وبحسب باحثين، فإن اللغة العربية، كانت من أهم اللغات التي أخذت عنها، اللغة الفارسية، بل إن تأثير العربية في الفارسية، لم يتوقف على التكلم والكتابة بمفردات عربية، بل التأثر بالنحو العربي نفسه، في شكل ما، تبعًا لما ورد في (معجم الألفاظ العربية في اللغة الفارسية) لأستاذ اللغة الفارسية وآدابها، الدكتور محمد نور الدين عبد المنعم.
وساهم الفتح الإسلامي، لبلاد فارس، بانتشار وتعزيز اللغة العربية، فظلت العربية في المرتبة الأولى في إيران، من الناحية الأدبية، حتى أواخر القرن الثالث، حسب المصدر السابق الذي أكد على أن انتشار العربية هناك، ساهم به أيضًا، أنها أصبحت لغة رسمية بعدما واعتماد الحرف العربي بديلًا من الفارسي، فضلًا من كونها لغة للدِّين، فظهرت العبارات العربية على العملات الإيرانية من عام 32 للهجرة، ثم ظهرت أسماء خلفاء بني أمية، على عملاتهم، في وقت لاحق.
الفارسية تأثرت بالنحو العربي أيضًا
ومن أسباب انتشار العربية في الفارسية، سهولة العربية، في مقابل فارسية قديمة، كما أثرت الترجمة من العربية إلى الفارسية بحلول كلمات عربية كثيرة. إلا أن عبد المنعم، يشير من ناحية أخرى إلى أن ثراء العربية بالألفاظ، كان من أسباب انتشارها لدى الإيرانيين الذين سعوا إلى ما يصفه بـ”المحسنات اللفظية” فلم يكن هناك من طريق سوى إلى العربية الذاخرة بالألفاظ. وكانت النتيجة أن تصبح نسبة المفردات العربية في اللغة الفارسية “كبيرة جدًا”.
أمّا تأثر الفارسية بالنحو العربي، فيكاد يكون من آثار العربية النادرة، بل من آثار أي لغة. حيث إن التأثيرات عادة تكون في حلول كلمات مكان أخرى، أو كلمات لا مقابل لها، أمّا التأثر بالنحو نفسه فأمر شديد الندرة والتعقيد، من مثل التزام الفارسية بقواعد النسبة العربية، فيقال مانوي نسبة إلى ماني، ومراغي نسبة إلى مراغة، وقواعد التثنية، والجمع، وحتى التنوين الذي لا أصل له في الفارسية فقد انتقل إليها من العربية، ويؤكد عبد المنعم أن التنوين العربي دخل حتى على الكلمات الفارسية نفسها، فصار يقال: “ناجارًا، تلكرافًا، تلفنًا”. وكذلك دخل المفعول المطلق العربي على الفارسية، على الرغم من عدم وجوده فيها. وكذلك اسم التفضيل وحروف الإضافة وغيرها.
تأثير الفارسية بالعربية محدود
وعلى الجهة الأخرى من تأثر العربية بالفارسية، فإن الأمر اقتصر على مفردات محدودة و دونما التأثير على قواعد النحو العربي، كما فعلت العربية بالفارسية. بحسب ما ورد في (المفصّل في الألفاظ الفارسية المعرّبة) لصلاح الدين المنجد. وساهمت العصبيات بالقول بأثر الفارسية الأكبر في العربية، على غير الواقع، فجاء كتاب (المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم) للجواليقي، موهوب بن أحمد بن محمد، 465-540 للهجرة، ليظهر أن بعض ما نسب إلى الفارسية، في العربية، هو في الواقع من بقايا اللغات السامية القديمة، كالعبرية والسريانية، وكذلك من لغات أخرى كاللاتينية واليونانية والهندية والحبشية، حيث يقصد بالأعجمي كل الألفاظ الدخيلة أو المعرّبة، من جميع اللغات.
ومثلما يتم تعريب اللفظ الأعجمي، ضمن ضوابط صوتية معينة، يتم نقل اللفظ لعربي إلى الفارسي، بضوابط صوتية ولغوية تؤدي إلى تغيير نطق حروف أو إبدالها بأخرى، كما يوضح المشتغلون في هذا الحقل، إضافة إلى مبادئ واسعة مختلفة.
العربية الفصحى في اللغة الفارسية
ومن أشهر الكلمات العربية الفصحى في اللغة الفارسية، بحسب “معجم الألفاظ” الذي سبقت الإشارة إليه، “آبا” جمع أب العربية، آباء. و”آسار” هي العربية آثار، جمع أثر. و”آجال” جمع أجل العربية. و”آهاد” التي هي آحاد العربية وبمعناها. و”آفاغ” هي آفاق العربية وبمعناها. و”تدافل” تداول العربية. و”خاتمه” خاتمة العربية.
و”رتوبت” هي رطوبة، و”رفز” رفض، و”سلتان” سلطان، و”سماهت” سماحة، و”شفال” شوال، و”شفارئ” شوارع، و”شفاهد” شواهد، و”سور” صور، و”سوف” صوف، و”سوم” صوم، و”سيام” صيام، و”تائن” طاعن، و”تاغي” طاغي، و”تاغات” طاقات، و”تالب” طالب”، و”زن” ظنّ، و”زلم” ظلم، و”ابد” عابد، و”آدل” عادل، و”آشغ” عاشق، و”أباد” عباد، و”إبارت” عبارة، و”أرش” عرش، و”أهد” عهد، و”إيال” عيال، و”أين” عين، و”غابه” غابة، و”غازى” غازي، و”غامز” غامض، و”غايت” غاية، و”غزفات” غزوات، و”غزف” غزو.
“وغوس” تعني غوص، و”فاته” هي فاتح، و”فاتهه” الفاتحة، و”فاروغ” الفاروق، و”فاسل” فاصل، و”فازل” فاضل، و”فائل” فاعل، “وفالغ” فالق، و”فتاه” أي الفتاح، و”فتافي” فتاوى، و”فته” فتح.
وفقط العربية هي “فغت” بالفارسية، والفقه العربي، “فغه” بالفارسي، والفقيه “فغيه” والقرشي، هو “غرشي” والقرن الذي هو 100 عام، هو “غرن” والقهوة هي “غهفه” و”غيادت” هي القيادة العربية، والكارثة “كارسه” والكاظم “كازم” وكلثوم “كلسوم” والماضي هو “مازي” والمالح “ماله” والماهية “ماهيت” ومبايعة “مبايأت” و”إزاءه” إذاعة.
وتجدر الإشارة إلى أن الثاء العربية تنطق سينًا، بالفارسية، والحاءُ هاءً، والذال زايًا، والصاد سينًا، والضاد زايًا، والطاء تًاء، والعين همزةً، والظاء زايًا، بالإضافة إلى جملة محددات كثيرة لانتقال اللفظ من عربيته الفصحى إلى فارسيته.