Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the wp-hide-security-enhancer domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/tamol01/public_html/archive/wp-includes/functions.php on line 6114
الغرق في المشاعر.. هكذا صنعت اللقطة الطويلة من "1917" فيلمًا عظيمًا - أرشيف شبكة التأمل الإعلامية

الغرق في المشاعر.. هكذا صنعت اللقطة الطويلة من “1917” فيلمًا عظيمًا

أرشيف شبكة التأمل الإعلامية

نشر في: الجمعة,17 يناير , 2020 9:18ص

آخر تحديث: الجمعة,17 يناير , 2020 9:42ص

لم تكن اللقطة الطويلة المستمرة في بدايات السينما خيار جمالي بالنسبة لصانعي الأفلام بل كانت ضرورة، حيث إن مساحة الفيلم صغيرة، فكانت الأفلام أشبه بتصوير مشاهد من الحياة بشكل مستمر حتى ينفذ الفيلم المستخدم.

لكن مع اكتشاف المونتاج أو قابلية التقطيع في السينما، أصبح الاتجاه لاختيار اللقطات الطويلة هو اتجاه فني وجمالي بالدرجة الأولى، بل ينظر إليه البعض أنه جوهر الواقعية والصدق السينمائي، فعند اختيار الاستمرار في التصوير لا يوجد مجال للخداع، يترك ذلك للمشاهد مساحة لاختبار شعوره بنفسه دون التلاعب به أو توجيهه.

اللقطة الطويلة هي لقطة سينمائية تستمر لدقائق دون قطع، يمكن أن تستمر لفترة قصيرة ويمكن أن تستمر إلى أن تبلغ طول الفيلم بالكامل فتصبح لقطة طويلة من ساعتين مثلا.

تجارب قليلة في السينما الحديثة نجحت في تحقيق فكرة اللقطة الواحدة المستمرة بعضها عن طريق القطع المستتر، أي الإيهام بكونها لقطة واحدة، وبعضها نفذ النظرية فعلا دون أي تلاعب، من الأفلام التي حققت ذلك بشكل نقي وكامل فيلم “السفينة الروسية” (Russian ark)، وفيلم أحدث بعنوان “فيكتوريا” (Victoria).

أما بالنسبة للأفلام التي نجحت في صنع ذلك التأثير بمساعدة مهارة القائمين على المونتاج والتصوير دون أن تكون بالفعل لقطة واحدة مستمرة فمنها “الرجل الطائر” (birdman)، وهذا العام الفيلم الحربي الملحمي “1917” للإنجليزي سام مينديز الحاصل على عشرة ترشيحات للأوسكار.

جماليات اللقطة الطويلة

عند الحديث عن فيلم 1917 لا يمكن ببساطة تجاهل الجانب التقني من الفيلم، فكونه مصورا ليصبح لقطة واحدة تتتبع أبطاله وتجعل المشاهد في وحدة معهم، هو عنصر أساسي من عناصر جذب الفيلم واعتباره فيلما مميزا في نوعه.

القصة التي يحكيها مينديز بسيطة في جوهرها، رواها عليه جده الذي يهدي له الفيلم كأحد أبطال الحرب العالمية الأولى، جنديان فتيان يذهبان في مهمة شبه مستحيلة لإيصال رسالة لأحد الفيالق على حدود أراضي العدو، هو أشبه بفيلم رحلة، يتغير خلالها أبطاله كأنه قصة نضوج في وجه الموت المحتوم.

ورغم أن القصة وتفاصيلها لا تملك جديدا بشكل خاص، فإن مينديز اهتم بإمكانيات الوسيط السينمائي نفسه، بأن يصنع فيلما يستحيل حكيه بل يمكن فقط اختباره، يغرق “1917” حواس المشاهد، نصبح فجأة داخل عالم من الألوان والأضواء والملامس، رطوبة الأرض ونعومة الزهور، صوت الأحذية الغارقة في الوحل، صمت الترقب، بزوغ الفجر فجأة، إنارة النيران لأطلال المدن وظلالها الممدودة، ثبات الموت وحركة الأحياء.

في بداية الأربعينيات كان من أكثر منظري ودارسي السينما حماسا للقطة الطويلة هو الفرنسي أندري بازان، الذي عظم من قيمة اللقطات الطويلة مقابل مدارس مثل المونتاج السوفياتي التي جعلت من التقطيع المونتاجي همها الأول لإيصال المعنى.

وبسبب طبيعتها السياسية، بدت تلك الطريقة إمعانا في توجيه المشاهد نحو تفسير واحد وإيقاف دوره كخالق معنى، رأى بازان أن قلة القطع واستمرار التصوير يجعل المشاهد حرا ويزيد السينما نزاهة وصدقا.

إذا طبقنا كلام بازان على فيلم 1917 فيمكننا الشعور بذلك، بالطبع يختار المخرج مع مدير التصوير روجر ديكنز مكان الكاميرا واتجاه حركتها وماذا ترى وماذا تخبئ عنا، لكنه يترك لنا اختبار المشاعر كما وجدت.

في أحد المشاهد يُقتل أحد الجنود، ولكن لا نرى عملية القتل بشكل قريب بل نشهد نتيجتها أمامنا على الشاشة، شاب كان ذات مرة متورد الوجه يحكي الحكايات الطريفة، يسلب منه اللون والحياة تدريجيا بينما يفقد دماءه، لا تهرب الكاميرا من مأساة كتلك لكنها تؤطرها لأطول وقت ممكن حتى يبيض وجه الفتى أمامنا، يعزز ذلك من قيمة المشهد العاطفية كما يقربه من الحقيقة، فنحن على سبيل المثال نشهد حزن زميله عليه، ولا يحدث ذلك خارج الكادر فتعود الكاميرا ونرى دموعه، بل يحدث بالتدريج أمام أعيننا.

الواقعية والنوع الفيلمي

لا تكمن فقط واقعية الفيلم المخططة مسبقا على اللقطات الطويلة ومشاهد الموت وتأثيرات المتفجرات، بل يمتد الأمر ليشمل حوادث تقع أثناء التصوير تمد الفيلم بمزيد من الأصالة والصدق.

أثناء أحد أبرز مشاهد الفيلم وبينما يركض سكوفيلد (جورج ماكاي) لكي يلحق مهمته المستحيلة ويصل إلى الكولونيل ماكنزي ويعطيه الرسالة التي ستوقف المجزرة المحتملة، يقدم سكوفيلد على تصرف شبه انتحاري حيث يركض محموما عكس اتجاه الجنود المستعدين للهجوم، وفي أثناء ركضه يصطدم ببعض منهم ويهم واقفا مكملا رحلته.

تلك السقطات العفوية لم تكن مكتوبة في سيناريو الفيلم أو مجهزا لها أثناء التصوير، ونظرا لصعوبة تنفيذ المشهد الذي يتضمن المجاميع والانفجارات المتلاحقة وحركة الكاميرا المستمرة لم يتوقف التصوير وقتها وأكملت الكاميرا مهمتها، فساهم الواقع ذاته في خلق مزيد من الدراما أصبح من الأسهل تصديقها والتفاعل معها.

يمكن اعتبار الأفلام الحربية نوعا يملك خصائص محددة، منها تيمات مثل النجاة والهرب، التضحية والتأثيرات الاجتماعية للحرب، وتحتوي مشاهد قتال ومعارك متبادلة أرضية أو جوية، وأشهر أفلام هذا النوع هي أفلام الحرب العالمية الثانية.

يقع فيلم مينديز في الحرب العالمية الأولى، ولكنه لا يسعى لتقديم معلومات تاريخية عنها، رغم كونها مجهولة أكثر من لاحقتها، لكنه يسعى لصنع فيلم عن النجاة والشجاعة وشجب الحرب ذاتها وعبثيتها، وأكثر من ذلك فيلم يحتفي بالسينما نفسها وقدرتها على إعادة خلق الواقع.

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

تابعنا: