بالنسبة لطبيبة الأطفال كيران رحيم، شهر رمضان هذه السنة مختلف عن السنوات السابقة، حيث تقضي ساعات طوال خلف قناع طبي خانق في قسم للعناية الفائقة، وهي تعالج مرضى بكوفيد-19.
ففي الظروف العادية، تصطحب أطفالها إلى منزل والدتها حيث يتناول أفراد العائلة الطعام سويا، أو تتناول طعام الإفطار مع صديقات في مطعم.
لكن بسبب كثافة العمل هذه السنة، ستعود منهكة من مستشفى جامعة هومرتون، بشمال شرق لندن، إلى زوجها وإبنيهما اللذين يبلغان من العمر ست سنوات وثلاث سنوات. وسيمتد هذا الإنهاك إلى الأيام التي لن تستطيع الصيام فيها.
“كثيرون مثلي يختارون عدم الصيام أثناء العمل بقسم العناية الفائقة”، بحسب رحيمي التي تستطرد موضحة أن “الأمر شاق في معدات الوقاية الشخصية (التي يرتديها الأطباء)، في المرة الواحدة يكون بوسعك أن تعمل ساعة أو ساعتين فقط قبل أن تضطر لخلعها واحتساء مشروب ما”.
وتقول رحيمي إن زملاء لها في الرابطة الطبية الإسلامية البريطانية طلبوا مشورة من علماء دين قالوا لهم إن من يعملون في قطاع حيوي وفي ظروف عمل مكثفة بإمكانهم الامتناع عن الصيام.
“هذا يجعلني أحس بالراحة، لكني حزينة، لأني أحب الصيام”، بحسب رحيمي.
تتوقع كيران أن تكون احتفالات العيد كذلك مختلفة هذا العام
وبالنسبة لعاملين آخرين في قطاع الصحة، سيكون عليهم الإفطار وحيدين بعيدا عن عائلاتهم في ورديات مدتها 12 ساعة، وذلك في مقارنة كئيبة مع الأجواء المعتادة في رمضان.
أما فرصة الحصول على إجازة في شهر رمضان، كما يفعل البعض عادة، فقد تلاشت مع بدء حالة الإغلاق.
ومع توقعات ببقاء القيود مفروضة حتى 7 مايو/ أيار على الأقل، تستبعد رحيمي (33 عاما) إمكانية الاحتفال بعيد الفطر على النحو المعتاد.
“رمضان يمكن أن يكون شاقا، لكنك تتطلع إلى العيد (بما يخفف المشقة). لست متأكدة إن كان بمقدورنا الاحتفال بالعيد هذه السنة”.
وبالرغم من الصعوبات، ترى رحيمي أن الوضع الحالي قد يساعد في رؤية الأمور من منظور مختلف في شهر يغلب عليه طابع روحاني.
“سيكون مختلفا، لكن ربما بطرق ما سيكون رمضان أكثر إخلاصا. نعيش ما يمكن أن نصفه بالجحيم على الأرض، لكن معظمنا محظوظون حيث مازال بوسعنا أن نفعل ما نريد. ما زال بإمكاننا توفير الطعام. هناك الكثير من العاطلين وآخرون يواجهون صعوبة في تأمين مأوى”.
مسلمون يتناولون طعام الإفطار في مسجد في بريطانيا (صورة أرشيفية)
وحذر المجلس الإسلامي البريطاني من أن رمضان سيكون مختلفا جدا هذه السنة، ونصح الناس بالبقاء في المنازل.
ومع إغلاق المساجد، وتباعد أفراد العائلة – أحيانا داخل المنزل نفسه، لن يتمكن المسلمون من الإفطار وأداء الصلوات معا.
لكن هناك جوانب إيجابية، حيث تدعو روح رمضان لمساعدة المحتاجين.
في حي ستانمور، شمال غربي لندن، يقدم “مسجد الحُجّة” خدمة لأكثر من 150 عائلة طوال شهر رمضان بتوصيل وجبات، مطهوة في مطاعم بالمنطقة، وممولة من تبرعات خيرية، ويوزعها متطوعون.
ويقول عاصم محمد أحد مسؤولي المسجد “أظن أننا نرى الأفضل في الناس. جاءنا 200 متطوع خلال 48 ساعة، وهذا أمر رائع. في العادة نقدم الوجبات لألف وخمسمئة شخص في مركزنا خلال الشهر، وبعض الناس يعتمدون تماما على وجباتنا”.
ويأمل المنظمون الوصول إلى 200 أسرة كل ليلة من ليالي رمضان. وقد سجل 1000 شخص تقريبا اهتمامهم.
الإمام صباح أحمدي يحث المسلمين على البقاء في منازلهم خلال رمضان
وقال محمد إن المركز وضع نفسه تحت تصرف بلدية “هارو” من أجل توزيع الطعام للمحتاجين، من التبرعات التي تصل من سكان المنطقة.
وسيستمر المسجد في بث الدروس الدينية خلال رمضان عبر الإنترنت.
وقد نظمت جماعة “رابطة شباب الأحمدية” الخيرية عبر الإنترنت دورات رياضية وأنشطة اجتماعية وصلوات، فيما تخطط للوصول إلى عدد أكبر من الناس في رمضان.
وقال عبد اللوضي مدير الأعمال الخيرية في الرابطة إنهم ينظمون في العادة تجمعات كبيرة لتناول الطعام، يُدعى إليها سكان المنطقة غير المسلمين ليتعرفوا على رمضان والإسلام. لكن هذا العام تتطلع الرابطة لإشراك الناس عبر الإنترنت.
وقال الإمام صباح أحمدي، المقيم في لندن، إن رمضان سيكون صعبا هذه السنة بسبب إجراءات العزل، لكنهسيلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل انستاغرام من أجل إعطاء الدروس الدينية، وأضاف أن العزلة ربما ستمنح الصائمين فرصة للتقرب إلى الله، وهو ما ينبغي فعله في شهر رمضان.
لكن الرسالة الأهم هي أن يبقى الجميع في منازلهم وعدم زيارة العائلات أو الذهاب إلى المسجد الذي سيكون مغلقا، كما قال أحمدي.