مع انتشار جائحة كورونا، أصبح أغلب طلاب العالم في المراحل الدراسية محرومين من الذهاب للمدارس والجامعات التي أغلقت أبوابها لتجنب العدوى، وأصبح الوقت مواتيا لكل أنواع التنبؤات.
وأثّرت الجائحة على جوانب الحياة المختلفة، بما فيها التعليم الذي اجتاحته ثورة التعليم عن بعد الجارفة، رغم أنه قبل كل شيء تجربة اجتماعية لا تجربة افتراضية.
نماذج تعليم بديلة
وفي مقال بصحيفة لوفيغارو الفرنسية، تقول شارلوت فيلول المحاضرة في علوم الإدارة بجامعة باريس، إن الإغلاق المفاجئ لجميع المؤسسات التعليمية أثار حركة هائلة نحو التعليم عن بعد، من الصعب إيقافها وقد تكون إعلانا لنهاية نموذجنا التعليمي.
وترى الخبيرة التربوية أن هذا التهافت على التعليم الافتراضي قد يؤدي إلى اكتشاف مزايا الإنترنت، وحتى إذا سرّع من اعتماد أساليب جديدة للتعليم عن بعد، فمن السابق لأوانه أن نرى فيه بوادر ازدهار التعليم عن بعد.
والسبب -بحسب الكاتبة- بسيط، وهو أن جميع الفاعلين في التعليم وجدوا أنفسهم اليوم على الإنترنت، إما مضطرين أو مكرهين أو على مضض، ولكن هذا الوجود المفاجئ لا يعني أن التحديات العديدة التي تعقد ظهور نماذج تعليمية فعالة عبر الإنترنت، قد حلت بمعجزة، لأن تهافت الكثير من المرضى فجأة على نفس الدواء لا يعني أن هذا الدواء أصبح مضمون النتيجة.
مشكلة لا علاج
وترى فيلول أن من الأسباب التي تجعل من التعليم عبر الإنترنت مشكلة يجب حلها أكثر مما هي علاج، حقيقة أن النموذج الذي تم تبنيه منذ البداية لم يكن هو النموذج الصحيح.
وتعتبر الكاتبة أن التعليم ليس عملية آلية، وليس منتجا بالمعنى التكنولوجي للمصطلح، بل هو عملية غير خالية من العيوب في جوهرها، تقوم على مجموعة من الآليات المعقدة، تبدأ من القبول إلى التخرج، مرورا بالعلاقة المهمة والمعقدة بين الطالب والمعلم.
ومع أن العديد من شركات التكنولوجيا النشطة في مجال التعليم تحاول حلّ هذه المشكلات، فإن أيا منها لم تنجح حتى الآن.
غياب الوسيط
ومن الأخطاء التي تفسّر الفشل النسبي للتعليم عبر الإنترنت -كما تبيّن الكاتبة- أن الركيزة الثانية التي بني عليها النجاح الهائل للعديد من التطبيقات الرقمية، هي استبدال مجموعة غير متجانسة من الوسطاء التعليميين بوسيط واحد، يتم وضعه بشكل فعال في المركز، وهي آلية غير فعالة في مجال التعليم لأن نقل المعرفة أو اكتساب المهارات هو في الأساس وساطة، إذ إن التعلم قبل كل شيء فعل اجتماعي ناتج عن المواجهة المباشرة والتبادل.
ورأت الكاتبة أن الفشل المدوي للدورات المكثفة المفتوحة عن بعد، أو هذا المحتوى عبر الإنترنت الذي اعتقدنا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أننا وجدنا فيه مستقبل التعليم، يبدو أنه هو الدليل الثابت على أن التعليم لا يقوم إلا على أساس علاقة تربط بين المعلم والمتعلم، مهما كانت طرائق التبادل عبر الإنترنت أو غيرها، لأن الذي يهم هو التبادل.
كورونا فرصة فريدة
وخلصت الكاتبة إلى أن الوضع الحالي في ظل جائحة كورونا رائع وغريب، لأن التعليم تحت ضغط الوباء أصبح مستعدا لإكمال تحوله الرقمي أخيرا، مدفوعا بالاستخدام القسري للحلول التي تعتمد على التواصل عن بعد.
ولكن على الرغم من أن الكثير من المدارس أو مؤسسات التعليم العالي تستخدم المزيد من الأدوات الرقمية، فإن هذا لا يعني أن هذه الأدوات أصبحت فعالة فجأة، ففي التعليم لا يوجد حلّ سحري، كما تقول فيلول.
وما نحتاجه اليوم بحسب الكاتبة، هو إعادة التفكير بعمق في الروابط بين الرقمية والتعليم، بعيدا عن النماذج “التخريبية” التي تظهر التجربة أنها لا تعمل، من خلال البحث عن بديل لما هو غير ملموس من كون التعليم تجربة اجتماعية وتبادلا طويلا ومتعددا وحوارا مشتركا.
وختمت الخبيرة بأن وباء كورونا يوفر لنا فرصة فريدة، وعلينا أن نتأكد من بناء تعليم منطقي وفعال عبر الإنترنت، بدلا من الاكتفاء بالعلاج الوهمي البسيط.