ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺕ ﻋﻨﺼﺮﺍ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﻵﻻﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻭﺗﻄﻮﺭﺕ ﺃﺩﻭﺍﺭﻫﺎ ﻟﻠﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ العصور.
وﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺕ ﻣﻨﺬ ﻓﺘﺮﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺷﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺗﻌﺘﺒﺮ “ﻣﺴﺮحا” ﻟﻠﻘﺎﺩﺓ ﻟﻠﻈﻬﻮﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﺭﻋﺎﻳﺎﻫﻢ، ﻭﻛﺎﻧﺖ “مينيانم” (Maenianum) ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﻗﺪﻡ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺕ، وهي ﻣﻨﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻄﻠﻖ ﻟﻸﺑﺎﻃﺮﺓ ﻭﺃﻋﻀﺎﺀ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﻤﺼﺎﺭﻋﻴﻦ ﻳﺘﻨﺎﻓﺴﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻟﻮﺳﻴﻮﻡ “المسرح الروماني”. ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1896، أﺿﻴفت “ﺍﻟﺒﻠﻜﻮﻥ” (الشرفة) إلى ﺍﻟﻤﺴﺎﺭح ﻟتمنح ﺯﺍﻭﻳﺔ أﻭضح ﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻋﺮﻭﺽ ﺍﻷﻭﺑﺮﺍ.
وﻓﻲ ﻇﻞ ﺃﺯﻣﺔ ﻛﻮﺭﻭﻧﺎ، ﻟﺠﺄ ﺍﻹﻳﻄﺎﻟﻴوﻦ ﻟﻠﻐﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺷﺮﻓﺎﺕ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ أثناء العزل المنزلي، ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺒﻼﺩ ﻭﺩﻋﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ، ﻭﺃﻋﺎﺩﻭﺍ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ شرفاتهم ﻛﺤﻠﻘﺔ ﻭﺻﻞ بالعالم ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻭﻣﺼﺪﺭ ﺃﻣﻞ ﻭﺍﺗﺼﺎﻝ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﺍﻟﻘﺴﺮﻳﺔ.
ﻭﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻭﺣﻘﻘﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺷﺮﻃﺎ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﻓﻜﺎﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺷﺨﺺ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﻳﻘﻮﻣﺎﻥ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﺃﺩﺍﺀ ﻓﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺔ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪه ﻋﺪﺓ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺎﺕ ﻣﺠﺎﻭﺭﺓ ﻟﻴﻜَﻮّﻧﻮﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﺠﻤﻬﺮﺓ.
ولم تكن هذه أول مرة يساعد الإيطاليون في تطوير عالم المسرح، إذ قاموا بتطوير المدرج ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ ﻗﺪﻳﻤﺎ، ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺑﺸﻜﻠﻪ الحالي “العلبة الإيطالية” وهذا التطوير ﺍﺳﺘﻤﺮ حتى ﻭﻗﺘﻨﺎ هذا. والمقصود بالعلبة الإيطالية، ﺧﺸﺒﺔ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﻭﺍﻟﺠﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ، ثلاثة ﺟﺪﺭﺍﻥ ﻣﻊ ﺟﺪﺍﺭ ﻭﻫﻤﻲ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ ﻳﺴﻤﻰ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ.
ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻓﻴﺮﻭﺱ “ﻛﻮﻓﻴﺪ-19” ﻗﺪ ﻳﺒﺘﻜﺮ ﺍلإيطاليون ﻣﺴﺮﺣﺎ ﺟﺪﻳﺪﺍ “ﻣﺴﺮﺡ الشرفة”.
الخصائص المتوقعة لمسرح الشرفة:
1- الأداء
يعتمد ﺍﻷﺩﺍﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﻋﻠﻰ الإيماءة الحركية ﺍﻟﻔﺠﺔ “GESTUS”، ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍلأﺩﺍﺀ، ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﻲ (ﺍﻟﺘﻐﺮﻳﺐ) ﻋﻨﺪ ﺑﺮﻳﺨﺖ، ﻭﻓﻲ ﻛﻮﻣﻴﺪﻳﺎ ﺩﻳﻼﺭﺗﻲ ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ، حيث يتم ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﺍ ﺍلأداء ﻋﻠﻰ المبالغة في ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻟﻠﻤﻤﺜﻞ.
ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أﻳﻀﺎ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ الأﻗﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺡ ﺍﻟﺸﺮﻓﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ إﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ. ﻭكانت تستخدم الأﻗﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﻴﺔ ﻭﻛﻮﻣﻴﺪﻳﺎ ﺩﻳﻼﺭﺗﻲ، إﻻ أن في ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺪ ﺳﺘﻜﻮﻥ الإيماءات ﻭالأﻗﻨﻌﺔ حلا ﺗﻌﺒﻴﺮيا ﻟﺘﺤﺴﻴﻦ ﺷﺮﻁ المشاهدة ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺕ، بينما كانت ﺗﺴﺨﺪﻡ لأهداف أﺧﺮﻯ مثل ﻛﺴﺮ الإﻳﻬﺎﻡ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ في اﻟﻤﺴﺮﺡ الملحمي.
وﻗﺪ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﻤﺆﺩﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﻮﻳﺖ في الأداء وقد يستخدمونه للتعبير صوتيا عن حالة البكاء، والحيرة، والغضب، وغيرها.
2. السينوغرافيا
يصعب تسخير السينوغرافيا (عناصر المشهد الفنية) في هذا المسرح، فعلى صعيد الديكور قد ينحصر بالشرطية، وهي اختزال شديد لعنصر ما متكامل بحيث يصبح هذا الجزء (التفصيلي) اختزالا لذلك العنصر الأصل، فمثلا يتم التعبير عن الشارع بأكمله شرطيا بوضع عمود نور واحد، أو إشارة مرور. أما على صعيد الإضاءة ومع قلة الشرفات المجهزة بأنوار قوية فقد يعتمد هذا المسرح على ضوء الشمس ويقيم عروضه في وضح النهار.
3 ـ الترفيه هدفًا
يعتمد ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ الأﻭﻟﻰ، ﻓقد ظهر ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻔﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﻓﺮﺩﻳﺔ ﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻣﺴﺮﺣﻴﻴﻦ معزولين، اختاروا قالبا ترفيهيا ﺑﺴﻴﻂا ﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺎﺗﻬﻢ لجذب ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﻭﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻐﻂ النفسي ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﻢ بسبب الحجر المنزلي.
وسلطت العروض ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﺑﻘﺎﻟﺐ ﻛﻮﻣﻴﺪﻱ ﺧﻔﻴﻒ، وقد تقود هذه الحالة العفوية إلى إعادة إحياء ثنائيات كوميديا ديلارتي، كون الارتجال أساس هذه المبادرات وهو عماد أساسي في كوميديا ديلارتي.
بالإضافة إلى أن كوميديا ديلارتي تناسب شرط المشاهدة، من حيث أسلوب الأداء (الإيماءات الحركية، والأقنعة)، علاوة على الترفيه الناجم عنها أيضا، ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﺸﺮﻓﺔ ﺗﺮﺑﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻠﻄﺮﺡ ﺍﻟﻌبثي (ﺍﻟﻼ ﻣﻌﻘﻮﻝ)، إﻻ أﻥ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟمشاهدة والاعتماد ﻋﻠﻰ الإيماءات ﺳﻴﺠﻌﻠﻪ أﻗﺮﺏ إلى مسرح ﺍﻟﺘﻐﺮﻳﺐ. ﻛﻤﺎ أنه ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ ﺿﻤﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﺗﺠﺮﻱ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﻨﺰﻝ ﻣﺎ إﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻢ إﻳﺠﺎﺩ حل ﻟﻠمشاهدة.
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﺮﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﺭﻏﻢ ﻗﻠﺔ ﺗﺠﻬﻴﺰﺍﺗﻪ، إﻻ أﻧﻪ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﺡ أﺳﺌﻠﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﻭﺍﻟﺠﺪﻭﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ.
إن احتمال نشوء هذا المسرح ضعيف للغاية، ولكن إذا ما نشأ، ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﺗﺄﻛﻴﺪﺍ ﺻﺎﺭﺧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﻔﻦ ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ، وعلى اﻠﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻔﻌﻠﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ. ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻃﻐﻴﺎﻥ ﻭﺗﻔﺸﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ﺍﻟﺴﻤﻌية والبصرية ﻋﻠﻰ ﺍلإﻧﺘﺮﻧﺖ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺗﻀﺎهي ﺗﻔﺸﻲ ﺍﻟﻔﻳﺮﻭﺱ ﺑأﺿﻌﺎﻑ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ.