يعود شهر رمضان الكريم من كل عام حاملا معه عادات متأصلة جُبلت عليها المجتمعات العربية المسلمة، توارثها الأبناء عن الأجداد، فيكثر الخير في شهر الخير، ترخى الأيدي بالصدقات، وتزين الشوارع بموائد الرحمن، بل يمتد الخير للعادات والتقاليد المجتمعية التي عرفها الشعب الكويتي منذ زمن وكان ولا يزال يواظب عليها لولا حلول ضيف ثقيل هذا العام.
كورونا أقفل المساجد ومنع “الغبقات” وحجب الجمعات العائلية على موائد الإفطار، حتى “النقصات” باتت تُرفض لا تستقبل ولا ترسل، و”النقصة” عادة كويتية أصيلة وقديمة تعني الانتقاص من طعام أهل البيت، وإرسال جزء منه إلى جيران الفريج (الحي)، وكان يحملها الأطفال على وجه الخصوص.
“النقصة” عادة تطورت واتسعت مفاهيمها مع دوران عجلة الحداثة، باتت تشمل أي شيء يرى المرء أنه قادر على إرساله لجيرانه وأقاربه وأصدقائه في شهر رمضان الكريم، مثل القماش والثياب والعطور والتمور والبهارات وحتى الإكسسوارات، وليس فقط الطعام، حتى أن أصحاب المشاريع الكبيرة والصغيرة باتوا يرسلون “نقصة” من منتجاتهم للمشاهير بكافة تخصصاتهم، ليروجوا لها ويحققوا مبيعات أعلى.
تقول هيا السعيد، شابة كويتية، إنهم لم يستقبلوا أو يرسلوا أي “نقصات” لهذا العام بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضها انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) في العالم، مما يشعرها وعائلتها بالحزن، حيث اعتادوا على “الانتقاص” لكافة أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم كل رمضان.
“النقصة” تطورت من طعام المنزل لصناديق جاهزة على أرفف المحلات
وتتحدث المواطنة للجزيرة نت “كبرنا على عادة النقصة التي حرصت والدتي على المحافظة عليها دوما، وكانت تخبرنا أن الهدية في مثل هذه الأيام تصفي القلوب وتقوي الأواصر وتثقل ميزان الحسنات، ولم تقطعها والدتي يوما، إلا أن سلامة وعافية أهل المنزل تأتي أولا في ظل الظروف الصحية التي تمر بها بالبلاد”.
الوعي والسلامة
وأكدت هيا أنهم اعتذروا عن استقبال أكثر من نقصة، سواء كانت طعاما أو أي شيء آخر، مبينة أن ذلك من الوعي والسلامة ويأتي اتباعا لإرشادات وزارة الصحة، خاصة مع وجود كبار السن في العائلة، وأي استهتار في هذا الأمر قد يوصل لوضع لا تحمد عقباه.
أما شهد المطوع فكان لها رأي آخر في هذا الأمر، فقد بينت أنها وعائلتها لم يوقفوا العادة ولن يوقفوها، “استقبلنا وأرسلنا أكثر من نقصة، ولن نسمح لهذا المرض بسلبنا عاداتنا الجميلة، إلا أن الحذر سيد الموقف بالتأكيد”.
وتشير إلى أن الحل يكمن فقط بالتعقيم، خاصة أن النقصات لن تأتي إلا من أشخاص قريبين يعرفون بعضهم جيدا وعلى دراية بمدى التزامهم بالحجر المنزلي وإجراءات الوقاية، بحسب رأي شهد، التي بينت أن الأمر يشبه التبضع من الجمعيات التعاونية، “لا نستطيع التوقف عن شراء احتياجاتنا الغذائية وغيرها لكن نقوم بتعقيمها، الأمر سيان ولا يحتاج للكثير من التعقيد”.
صاحبة مشروع “بانغلز” (bangles) للإكسسوارات دانة الشعيبي، بينت أن كورونا كبدها خسائر طائلة وأن نسبة المبيعات هذا العام سواء في رمضان أو الشهرين السابقين انخفضت بشكل كبير بسبب خوف الناس من انتقال العدوى، حيث تقوم دانة بصنع مجموعة إكسسوارات خاصة بشهر رمضان كل عام بنقشات وأنماط توحي بخصوصية هذا الشهر، وتحرص على إرسال نقصات مغلفة ومرفق معها مباركة الشهر إلى عدد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي والممثلين لتزداد نسبة مبيعاتها بعد أن يعرضوها لمتابعيهم.
تخبر الشعيبي أن عددا ممن أرسلت إليهم نقصتها استقبلوها بالفعل، في حين اعتذر البعض الآخر حرصا على السلامة، وترى أن لكل منهم الحق في القبول أو الرفض “لا يمكنني استغراب الرفض والاعتذار، وأرى مسوغاتهم منطقية، حتى وإن كنت قد أكدت مسبقا على تعقيم نقصاتي” متمنية أن يقف الأمر عند هذا الحد وينتهي بانتهاء رمضان، لكنها تخشى أن يطول المرض حتى عيد الأضحى وتكون قد خسرت مواسم الذروة التي تحقق فيها أعلى نسبة أرباح على مدار العام.