يمكن أن يكون الاعتذار أحد أكثر الأفعال صحية وإيجابية؛ فله أهمية كبيرة في إصلاح العلاقات وفتح صفحات جديدة بين الأصدقاء.
من الضروري استمرار الحياة الاجتماعية للبشر، وأحيانا يكون الاعتذار مهمة ليست سهلة عند البعض؛ فهم يفضلون الصمت أو تجاهل الأمر، ويرفضون رفضا تاما الاعتذار لمن قاموا بإيذائهم؛ وهذا ما يسبب ضررا كبيرا في علاقاتهم، ويجعلهم يخسرون العديد ممن حولهم.
5 أسباب
يناقش كتاب “قوة الاعتذار لشفاء جميع العلاقات” الصادر عام 2002، لصاحبته المعالجة النفسية بيفرلي إنجل؛ الأسباب وراء صعوبة الاعتذار لدى بعض الناس، وتلخصها في ما يلي:
مسألة كبرياء:
الاعتذار يعني وضع كبريائنا جانبا لفترة كافية للاعتراف بالخطأ الذي قمنا به، وبالنسبة لبعض الناس فإن هذا يعد ضعفا واعترافا بأنهم معيبون، وقد يميل هؤلاء إلى اختلاق الأعذار أو إلقاء اللوم على الآخرين، ويرفضون تقديم اعتذار واضح وصريح.
علامة ضعف:
بالنسبة لكثيرين -لا سيما الرجال- فإن الاعتذار يعكس الضعف، ويميل هؤلاء إلى إظهار أنفسهم بأنهم على حق، وأنهم دائما أقوياء.
والحقيقة أن الاعتذار عن الضرر الذي تسببت فيه، وتحمل المسؤولية عن أخطائك؛ يمكن اعتبارهما بالفعل علامة على القوة وليس العكس.
الخوف من الخجل:
بعض الناس يشعرون بالخجل الشديد لدرجة أنهم لا يستطيعون الاعتراف بأخطائهم أو الاعتذار عنها، لأن ذلك يسبب لهم الحرج الشديد.
الخوف من العواقب:
يخشى البعض من أنه في حال خاطروا وقاموا بتقديم اعتذار فإنه قد يتم رفضهم وعدم قبول أسفهم، وقد يخشون أيضا من أن يعرف الآخرون ما قاموا به ويخسرون بذلك احترام الناس من حولهم.
قلة الوعي:
كثير من الناس لا يعتذرون لأنهم غافلون عن تأثير أفعالهم على الآخرين؛ إنهم لا يعتذرون لأنهم ببساطة لا يدركون أن لديهم أي شيء يعتذرون عنه.
قد يركزون بشدة على ما يفعله الآخرون لإيذائهم، ولا يستطيعون رؤية كيف أساؤوا هم للآخرين، أو أنهم قد يركزون على أنفسهم لدرجة أنهم يكونون غير قادرين على رؤية تأثير سلوكهم على الآخرين.
عدم القدرة على التعاطف:
السبب الأهم الذي يجعل البعض يجد صعوبة في الاعتذار، هو أنهم يفتقرون إلى التعاطف مع الآخرين. إنهم يفتقدون المشاعر التي تمكننا من وضع أنفسنا مكان الشخص الآخر فنتعاطف معه؛ وبالتالي نعتذر له عندما يستحق ذلك. هؤلاء بحاجة إلى تخيل كيف أثر سلوكهم أو موقفهم على الشخص الآخر. ولسوء الحظ، كثير من الناس غير قادرين على القيام بذلك.
البعض يترددون في الاعتذار خوفا من عدم تقبل الآخرين أسفهم
الاعتذار الهادف
وفقا لمؤلفة كتاب “قوة الاعتذار”، فإن كثيرا من الناس يحتاجون إلى تعلم كيفية الاعتذار بطريقة مسموعة ومقبولة. والاعتذار الفعال هو الذي ينقل إلى الشخص الذي نعتذر له “الندم والمسؤولية والعلاج”.
وأن نبين لهذا الشخص الندم على ما قمنا به وتسبب في الإزعاج أو الأذى أو الضرر له، وأن نقبل المسؤولية كاملة عن أفعالنا من خلال عدم إلقاء اللوم على أي شخص آخر، وعدم تقديم أعذار عما قمنا به.
وأخيرا، بيان الرغبة في اتخاذ بعض الإجراءات لتصحيح الموقف، إما عن طريق الوعد بعدم تكرار ما فعلته ومحاولة معالجة الموقف، أو عن طريق التعويض عن الأضرار التي تسببت فيها.
لماذا الاعتذار مهم؟
تقول أندريا براندت -الحاصلة على الدكتوراه، ومقدمة المشورة الزواجية على موقع “سيكولوجي توداي”- الاعتذار شيء نقوم به لنكون مهذبين. إنها طقوس اجتماعية مهمة، وهي طريقة لإظهار الاحترام والتعاطف مع الأشخاص المظلومين.
الاعتذار لأولئك الذين آذيناهم مهم جدا، فهو يظهر أننا نهتم بمشاعرهم، كما أنه يؤدي إلى شعورهم بالارتياح والتنفيس عن غضبهم، ورغبتهم في استمرار العلاقة.
كما تقول الاختصاصية الاجتماعية إيمي مورين على موقع “سيكولوجي توداي” إن الاعتذار لديه القدرة على جعل أكثر الناس غطرسة متواضعين، فعندما تكون لدينا الشجاعة للاعتراف بأخطائنا والعمل على تجاوز مخاوفنا، فيكون لدينا شعور عميق باحترام أنفسنا، وهذا الاحترام للذات يمكن أن يؤثر بدوره على ثقتنا بأنفسنا وتوقعاتنا لحياتنا المستقبلية.
وتضيف مورين “عندما أعتذر لك، فأظهر لك أنني أحترمك وأهتم بمشاعرك، أعلمك أنني لم أكن أنوي إيذاءك، وأنني أعتزم معاملتك بشكل أفضل في المستقبل. من خلال قبول اعتذاري، فأنت لا تريني فقط أن لديك روحا كريمة بل تمنحني فرصة أخرى”.
كثير من الناس لا يعتذرون لأنهم غافلون عن تأثير أفعالهم على الآخرين
ضحايا عدم الاعتذار
تقول بيفرلي إنجل، في سلسلة مقالاتها على موقع “سيكولوجي توداي”، والتي عرضت فيها كتابها “قوة الاعتذار”؛ “لقد تخصصت في عملي مع الضحايا السابقين لإساءة معاملة الأطفال لما يقرب من 40 عاما. مرة بعد مرة أسمع منهم أن الشيء الوحيد الذي يرغبون فيه، والذي يعتقدون أنه يمكن أنه يساعدهم على الشفاء من الإساءة التي تعرضوا لها؛ هو اعتراف من والديهم (أو الآخرين) بإساءة معاملتهم، والاعتذار عن الضرر الذي تسببوا فيه”.
وتضيف “لقد كنت من حين لآخر شاهدة على الشفاء الذي يمكن أن يحدث عندما يتلقى أحد المرضى اعتذارا ذا مغزى، فقد سبب هذا النوع من الاعتذار شفاء تاما، حيث يشعر المريض بأنه تحقق أخيرا”.
إن تقديم الاعتذارات يجعل الشخص يقر بأنه تعرض بالفعل للأذى، ولديه الحق في الشعور بالأذى أو الغضب. فكلنا نريد أن يتم الاعتراف بمشاعرنا، خاصة عندما نتأذى أو نتأثر عاطفيا، ونريد من الشخص المخطئ أن يظهر لنا أنه يعلم أنه أساء إلينا.