عشاق الفن السابع بحق يبحثون دوما عن محتوى جديد يشبع شغفهم، لا يتوقف الأمر على الأفلام ذاتها، بل يمتد إلى الأفلام الوثائقية عن أهم المخرجين والممثلين وتاريخ السينما، وبالتأكيد الكتب.
والمكتبة السينمائية -سواء العالمية أو العربية- غنية بالكثير من الكتب التي تسرد مراحل مختلفة من تاريخ السينما، وتطور هذا الفن وتقنياته، ولكن لا توجد طريقة لمعرفة قصص كبار مخرجي السينما العالمية أفضل من كلماتهم ذاتها، وكتبهم ومذكراتهم التي كتبوها وأرخوا بأنفسهم لذواتهم، ليصبحوا شهودا على عصرهم.
قصة حياتي.. شارلي شابلن
كُتب اسم شارلي شابلن بأحرف ذهبية في تاريخ السينما، فعلى الرغم من كون نسبة كبيرة من أفلامه مر على صنعها قرن من الزمان، فإنه ما زال مشهورًا ومحبوبا بين الكبار والصغار، سواء من محبي السينما الشغوفين أو حتى من المشاهدين العابرين، ومن بين صناع الأفلام الصامتة في ذلك العصر بقي شارلي بأفلامه القصيرة الأولى الصامتة المضحكة.
ربما كتاب شارلي شابلن “قصة حياتي”، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1964، كان المذكرات الأكثر اكتمالا لأي من المخرجين، فقد كتبها في نهاية حياته بعد اعتزاله السينما بأعوام عدة في منفاه الاختياري في سويسرا، وبين دفتي هذا الكتاب أرّخ لنفسه منذ الطفولة وحتى الشيخوخة.
واجتذب القارئ بقصة الطفل الجائع الفقير، الذي قضى أعوامه الأولى بين العيش مع أم مختلة نفسيًّا وملاجئ الأيتام التي وُضع فيها، رغم وجود أبويه، فإنه دُفع إلى الملجأ بسبب مرض أمه، وأبيه الذي يرفض تربيته، وكيف تحوّل هذا الصغير البائس إلى المضحك الأعظم في التاريخ.
ومن سنوات النجاح الكبرى في هوليود المبنية حديثًا، إلى طرده من الولايات المتحدة في حقبة المكارثية بعدما شككت الحكومة الأميركية في ميوله السياسية واتهمته بالشيوعية، واستغلت عدم حصوله على الجنسية الأميركية طوال حياته بها، كما رفضت عودته بعد سفره مع عائلته إلى أوروبا.
شارلي شابلن اجتذب القراء بقصة حياته التي بدأت من الملجأ مرورا بهوليود وحتى منفاه في سويسرا
هيتشكوك.. تروفو
لا يمكن أن ننسب هذا الكتاب للمخرج البريطاني العبقري ألفريد هيتشكوك وحده، فلولا المخرج فرانسوا تروفو ربما لم تتح لنا فرصة التعرف على هذه المذكرات المميزة لرائد أفلام الإثارة والتشويق.
ففي الستينيات من القرن الماضي، أقنع تروفو المخرج ألفريد هيتشكوك بإجراء حوار طويل معه حول حياته وأفلامه، على الرغم من حاجز اللغة، وبالاستعانة بمترجمة متخصصة؛ قضيا معًا جلسات طويلة ناقشا فيها أفلام ألفريد هيتشكوك فيلما بعد الآخر، ونقل بعد ذلك تروفو هذه الحوارات إلى كتاب نُشر لأول مرة عام 1967، وخلاله أعاد قراءة أفلام “هيتش” من وجهة نظر الأخير، وتعرّف القارئ على كواليس صناعة هذه الأفلام، وحياة هيتشكوك السينمائية والشخصية المميزة.
عرق الضفدع
نشرت مذكرات المخرج الياباني الشهير أكيرا كيروساوا عام 1981، الذي يعد واحدا من أعظم السينمائيين الآسيويين، والذي حصل على جائزة الأوسكار عام 1990 عن إنجازاته، وسمي بعدها “آسيوي القرن”، واعتبر واحدا من أكثر الشخصيات المؤثرة في قارة آسيا خلال القرن العشرين.
في هذا الكتاب قدم كيروساوا قصة حياته بالموازاة مع قصة السينما اليابانية، فنتعرف على هذا الشاب الذي لم يدرس السينما بل أحبها كمشاهد، وانتقل إلى مقاعد المخرجين بالصدفة، وعندما أعلن أحد الأستوديوهات عن رغبته في تعيين مخرجين جدد، تقدّم عن طريق كتابة مقال حول السينما اليابانية ورؤيته لتطويرها، ومن هنا بدأت مسيرته كمخرج مساعد لمجموعة من أهم المخرجين في ذلك الوقت، وعلى رأسهم ياماموتو.
ومن خلال قصته الشخصية تعرفنا على قصة السينما اليابانية، وكيف انتقلت من الصمت إلى الصوت، ثم تطورت مرة أخرى على يد مخرجين رواد، ويأخذنا كتابه في جولة مع أوائل أفلامه الشخصية حتى فيلمه الأشهر “راشمون”.
مسراتي كسينمائي
أما “مسراتي كسينمائي” فهو كتاب صغير الحجم إذا قورن بالكتب الأخرى الموجودة في هذه القائمة، ولكنه في الوقت ذاته يحمل شهادة واحد من أعظم المخرجين على قيد الحياة في الوقت الحالي، وهو مارتن سكورسيزي.
في هذا الكتاب يقدم لنا سكورسيزي شهادة على عصره وسينما الستينيات والسبعينيات، وصعود مجموعة جديدة من المخرجين الذين أصبحوا الآن مخضرمين، ويعتبرهم البعض كلاسيكيين، مثل ستيفن سبيلبيرغ وفرانسيس فورد كوبولا وبرايان دي بالما وجورج لوكاس.
لم يحاول سكورسيزي تجميل نفسه وحياته، بل تحدث بصراحة عن طفولته الإيطالية الأميركية، وإدمانه المخدرات في شبابه ثم توقفه عن ذلك، وتحدث عن شكوكه في نفسه وقدرته على مجاراة سينما هوليود ومعايير السوق التجارية الصعبة، ثم قدم فصولا عدة عن أهم أفلامه، وكيف بدأت كمشاريع محتملة، مع ملاحظات مهمة عن كيفية إخراجها، وعلاقته الطويلة مع الممثل الشهير روبرت دي نيرو، حيث قدما معا 9 أفلام طويلة، وفيلما واحدا قصيرا، آخرها عام 2019 “الأيرلندي”، وهما يعملان معا الآن على فيلم عاشر من المنتظر عرضه العام القادم.