نعيش في زمن أصبحت فيه مستويات الإجهاد والغضب عالية بشكل يثير العداء مع أفراد عائلتنا وأصدقائنا ويضر برفاهيتنا العاطفية.
وقد يكون الغضب مفيدا، لكن من المهم توجيهه على نحو إستراتيجي بدلا من السماح له باستنزافك كما تقول الكاتبة إليزابيث برنشتاين في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، لافتة إلى أن الغضب يزداد عندما يزداد القلق، وهي استجابة تكيفية للتهديد، حيث يحرض الغضب على العنف.
وينبهنا الغضب إلى وجود خطر محتمل، وقد يكون هذا مفيدا إلى حد كبير، فالغضب يجعلنا نشعر بالشجاعة ويشجعنا على اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب الوقوع في الخطأ، ولكن علينا التحكم بهذه المشاعر بشكل إستراتيجي.
الغضب قد يكون مدمرًا
ويقول الأستاذ موريس شويتزر من كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا إن “أغلبنا يشعر بقدر كبير من الراحة إزاء غضبه مقارنة بالقلق، ولهذا السبب نحاول تخفيف قلقنا حيال الشكوك التي تحيط بنا وفقداننا السيطرة من خلال الغضب، إذ يمنحنا الغضب الدافع والحافز والمقصد، كما أنه يمنحنا الوضوح الذي نفتقر إليه”.
ونقلت الكاتبة عن الطبيب النفسي سريني بيلاي أن استيعاب قدر كبير من الغضب لفترة طويلة للغاية قد يكون مدمرا، وبعبارة أخرى يستنزف الغضب مواردنا البدنية والعاطفية، كما أنه يرتبط بارتفاع ضغط الدم والالتهابات وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان.
فعندما يغضب عقلك يزداد النشاط في الجسر السقيفي الظهراني (dorsal pons) (تقع المنطقة السقيفية البطنية في الدماغ المتوسط)، وهو جزء من المنطقة العاطفية في الدماغ التي تساهم في الاستجابة الفسيولوجية، وفي السنجابية المحيطة بالمسال أيضا التي تنشّط الاستجابة للتهديد الخطير.
وفي الوقت نفسه، ينخفض النشاط في المنطقة المسؤولة عن الاهتمام، ويؤكد الدكتور بيلاي أن “الغضب يغمر الدماغ العاطفي، ونظرا لأن الدماغ العاطفي متصل بالدماغ المفكر فإنه يعرض كفاءة المعالجة المعرفية واتخاذ القرار للخطر”.
الغضب قد يقلل قدرة الأشخاص على فهم وجهات نظر الآخرين
توجيه طاقة الغضب
وتؤكد الأبحاث أن الغضب قد يقلل قدرة الأشخاص على فهم وجهات نظر الآخرين، كما أن الأشخاص الغاضبين يحكمون على الآخرين بقسوة بالغة أكثر مما يقسون على أنفسهم عندما يتعلق الأمر بالمعضلات الأخلاقية، وهي الظاهرة التي يطلق عليها علماء النفس وصف “النفاق الأخلاقي”.
وبعبارة أخرى، يكون الأشخاص الغاضبون أقل تعاطفا مع الآخرين ولا يتقاسمون معهم الأحزان، ويوضح جيرمي ويب أستاذ الإدارة في كلية مكدونوف لإدارة الأعمال بجامعة جورج تاون أن “هذا الأمر يعتبر خطيرا لأنه يحد من قدرتنا على التفكير على نحو إستراتيجي وعلى نطاق واسع”.
إذًا، كيف يمكنك أن تمنع الغضب من استنزاف طاقتك؟ يلجأ العديد من الأشخاص إلى ممارسة التمارين والتأمل والصلاة، فعلى سبيل المثال، تلجأ دانا همفري (37 عاما) لاتباع أسلوب تطلق عليه اسم “صراخ اليدين”، حيث تغطي فمها بكلتا يديها وتصرخ بصمت.
كما أوضح مدرب الحياة روكي بارك أن “توجيه طاقة الغضب أمر مهم حقا، فهو يحد من الآثار الجانبية ويمنحك القدرة على إجراء المحادثات”.
لمنع الغضب من استنزاف طاقتك عليك ممارسة التأمل
نصائح الخبراء لإدارة الغضب
ينبغي عليك أولا تحديد مصدر قلقك، ويبين الدكتور ييب أن هناك نوعين من الغضب: أولهما الغضب الشامل الذي يتعلق مباشرة بالموقف أو الشخص الذي يشعرك بالغضب، وثانيهما الغضب العرضي الناجم عن موقف استفزازي.
وتظهر الأبحاث أنه عندما يحدد الأشخاص بشكل صحيح مصدر الغضب فإنهم سيكونون قادرين على التفكير بشكل إستراتيجي.
وتوضح الاختصاصية بولا سنيستيرا أنه “في اللحظة التي نبدأ فيها بالاستفسار عن مصدر غضبنا بدلا من الدخول في تفاعل غير محسوب فإننا نشرك القشرة الأمام جبهية التي تشكل جزءا من دماغنا المسؤول عن التفكير والتخطيط، وهذا أمر ضروري إذا كنا نأمل في توجيه الغضب نحو الإنتاجية”.
كن إستراتيجيًا
تحكم بمشاعرك، وحدد ما إذا كنت تريد إدارة غضبك أو تجاهله، هل هو مفيد؟ وإذا لم يكن كذلك تجاهله، وإذا أردت توظيف غضبك فاختر شيئا يمكنك التحكم به، وتذكر أن الغضب قد يمنحك الشجاعة.
تهدئة جهازك العصبي
يمكنك الذهاب في نزهة أو الركض أو قضاء بعض الوقت في الطبيعة، كما يمكنك ممارسة التأمل، ركز على أنفاسك وأغلق عينيك وانتبه إلى الإحساس بتدفق الهواء في أنفك، فقد أظهرت الأبحاث أن هذا التمرين الذي يركز على التنفس يخفض نشاط اللوزة الدماغية، وهي الجزء المسؤول عن معالجة الخوف والقلق في الدماغ.
فهم سلوكيات الآخر قد يجعلنا نحول غضبنا نحو التعاطف
الحد من المهيجات
يتزايد غضب الأشخاص في بعض الأحيان لأنهم يكونون غير مرتاحين جسديا أو يشعرون بالألم، ولهذا السبب تأكد من أن البيئة المحيطة بك مريحة، وتخلص من الفوضى أو أي عنصر مسبب للإزعاج.
أعد صياغة القصة
وتؤكد الكاتبة أنه ينبغي عليك التقرب من الشخص الذي تسبب بإغضابك والتفكير فيما مر به، هل كان يعاني من توتر أو قلق ما؟ هل تسببت هذه العوامل في تصرفه بطريقة معينة؟
ويوضح الدكتور شويتزر أنه “بمجرد أن نحاول فهم سلوكيات الآخرين فمن غير المرجح أن نلومهم على تصرفاتهم، وهكذا نستطيع أن نحول غضبنا نحو التعاطف”.