بدأ عرض فيلم “غراي هاوند” (Greyhound) (كلب الصيد) يوم 10 يوليو/تموز الجاري على منصة “آبل تي في بلس” (+Apple TV) الإلكترونية، وذلك بعدما استحوذت على حقوق الفيلم نتيجة لانعدام إمكانية عرضه السينمائي بسبب انتشار جائحة كورونا، وإغلاق دور العرض.
جاء الفيلم بارقة أمل في ظل انقضاء أكثر من نصف العام من دون أي عمل كبير يستحق المشاهدة تقريبا، لذلك ارتفعت آمال الكثير من المشاهدين الذين توقعوا ملحمة حربية أخرى للنجم المحبوب توم هانكس ربما تذكرهم بفيلم “إنقاذ الجندي رايان” وغيرها من الأفلام الحربية التي قدمها هانكس في مسيرته السينمائية، ولكن هل جاء الفيلم على قدر هذه التوقعات؟
تدور أحداث فيلم “غراي هاوند” خلال الحرب العالمية الثانية، حيث نتعرف على إيرنست كروس القائد البحري، الذي يقوم بمهمته الأولى في المحيط الأطلنطي، وعليه أن يقود مجموعة كبيرة من السفن الحربية والتجارية من الولايات المتحدة إلى إنجلترا، عابرا ما كانت تسمى وقتها “البؤرة السوداء”، وهي منطقة في منتصف المسافة لا تخضع للتغطية الجوية من قوات الحلفاء، لذلك احتلتها الغواصات الألمانية ودأبت على اصطياد السفن فيها، وراح ضحية ذلك حوالي 72 ألف جندي وضابط خلال الحرب.
الفيلم من إخراج آرون شنايدر ومقتبس من رواية باسم “الراعي الصالح”، التي اقتبسها للسينما توم هانكس نفسه، فبعد قراءته لها قرر تحويلها إلى عمل سينمائي من تأليفه وبطولته معا.
أين توم هانكس؟
ربما جاء قراره هذا للقرب الشديد في السمات الشخصية بين هانكس نفسه وبطل الفيلم والرواية إيرنست كروس، فكل منهما يؤمن بالعدالة ومحبة البشر والوطنية الشديدة وكراهية العنف، ربما جاء هذا بصورة عفوية ودعم من أدائه للدور، حيث بدا على طبيعته تماما بصورة جيدة، ولكن في الوقت ذاته محبطة، فلم يقدم أي جديد في أدائه ولا يزال في النقطة نفسها التي لم يستطع تخطيها منذ سنوات من الأدوار البسيطة والمتكررة، مما يجعل محبيه يتوقون إلى مشاهدته في فيلم يعيد إبراز مواهبه التمثيلية مرة أخرى بعيدا عن الأدوار المعتادة.
ولم يحرز هانكس نجاحا أكبر في دوره الثاني ككاتب سيناريو، حيث اختار لفيلمه ألا يزيد طوله عن الساعة ونصف الساعة من دون تمهيد كاف للشخصيات سوى لمحات بسيطة عرفتنا على إيرنست، ثم انتقلنا مباشرة إلى الحدث الرئيسي وهو المطاردة بين الغواصات والسفن، وأخذنا من مشهد لمشهد ومن مطاردة لأخرى من دون أي عمق حقيقي للأحداث.
فلم يعرفنا الفيلم على أي شخصية أخرى غير إيرنست، مما جعله يبدو كما لو أنه مشهد طويل متكرر من بعد أول عشر دقائق وحتى النهاية، بلا أي بداية حقيقية أو خاتمة أو دراما مثيرة.
وكذلك جاء الحوار من أبرز نقاط الضعف في الفيلم، حيث لا يوجد أي حوار حقيقي سوى الأوامر العسكرية التي يصدرها القائد إيرنست، ثم يكررها الجنود مرة أخرى لبعضهم بعضا، الأمر الذي حتى لو كان يتم بهذا الشكل في الحقيقة كان من الممكن تجاوزه في الفيلم السينمائي حتى لا يصيب المشاهد بالملل من سماع الجمل نفسها تتكرر مرتين أو ثلاثا في كل مشهد.
المظلومون بغياب العرض السينمائي
كما قلنا تدور أحداث الفيلم في الحرب العالمية الثانية، وهي الحقبة التي قُدمت في العديد من الأفلام سواء حول العالم أو في هوليود، واعتقد المشاهدون أنهم شاهدوا كل الزوايا المختلفة لها، ولكن غراي هاوند قدم لنا جانبا جديدا وهو المعارك البحرية أو حرب الغواصات والسفن الحربية.
ودارت أغلب أفلام الحرب العالمية الثانية حول معارك برية، وذلك لصعوبة تصوير المشاهد البحرية بشكل مقنع في الماضي، ولكن مع تطور المؤثرات البصرية بهذه الصورة المبهرة خلال فترة قصيرة، أصبح تقديم هذه المشاهد أمرا متاحا.
وقد كانت صورة الفيلم بالفعل مبهرة، وظهرت فيها المؤثرات البصرية أو “سي جي آي” (CGI) بوضوح غير مبتذل، مع استخدام زوايا تصوير متعددة لتوضيح المناورات التي تقوم بها السفينة العملاقة في مواجهة الغواصات الصغيرة الماكرة، بالإضافة إلى شريط الصوت الذي مزج الموسيقى التصويرية بأجراس الإنذار، ليبدو في شكل عويل دائم مثير للقلق والحماسة.
وقد عوّض كل من الصوت والصورة الفراغ في دراما الفيلم، وبثا فيه الحيوية والإثارة بالفعل، مما جعل من عرض الفيلم على منصة إلكترونية وليس على شاشة السينما خسارة حقيقية لكل من العمل والمشاهدين.
ولكن على الرغم من بعض عيوب الفيلم، فإنه يظل الأفضل بين ما عُرض إلكترونيا بعد الإغلاق السينمائي، وهو عمل بالفعل مثير ومسل ويستحق المشاهدة رغم سقطاته.