انقلبت الكثير من الموازيين السينمائية في 2020، فبعدما كنا نعد العدة لمشاهدة مجموعة من أقوى أفلام الأبطال الخارقين هذا العام، مثل الجزء الثاني من “المرأة العجيبة” (Wonder Woman) وفيلم “الأرملة السوداء” (Black Widow) وغيرها، أغلقت دور العرض السينمائي وأوقف تصوير الأفلام بسبب فيروس الكورونا، وبعد انقضاء نصف العام، لم يعد هناك أمل كبير في مشاهدة هذه الأفلام في 2020، ولذلك كان فيلم “الحرس القديم” (The Old Guard) مفاجأة طيبة لمحبي هذا النوع من الأفلام.
عُرض فيلم “الحرس القديم” على نتفليكس يوم 10 يوليو/تموز الجاري، وسريعا ما اعتلى عرش أعلى المشاهدات على المنصة في دول عدة حول العالم منها مصر، وحظي بعدد مميز من المشاهدات، ربما ليصبح المنافس الأكبر حتى الآن لفيلم “استخلاص” (Extraction) الأعلى مشاهدة على نتفليكس طبقا لما أعلنته أخيرا.
اقتباس مختلف
فيلم “الحرس القديم” مقتبس من قصص مصورة بالاسم ذاته، وهو من بطولة تشارليز ثيرون وكيكي لاين، وإخراج جينا برينس بيثود، وتبدأ أحداثه بصورة معتادة للغاية في أفلام الحركة (الأكشن)، حيث نتعرف على مجموعة من المقاتلين المغاوير الذين يُطلب منهم القيام بمهمة استرجاع ثلة من الفتيات المختطفات، لكن المشاهد يفاجأ بعد هذا المشهد بعدة مفاجآت، أولاها أن هذه المهمة فخ، والثانية أن المقاتلين ليسوا بشرا عاديين.
فعلى الرغم من مظهرهم العادي، فهم بشر طويلو العمر بصورة غير محددة، يمتلكون قدرات جسدية تجعلهم يصابون ثم يشفون من تلقاء أنفسهم بعد دقائق قليلة، ويعيش بعضهم منذ الحروب الصليبية، في حين أن قائدتهم “أندي” يرجع عمرها إلى ما قبل الميلاد.
وتلك المزية هي لب الفيلم وقصته الحقيقية. هذه المجموعة التي تمتلك سرا رهيبا، تصبح هدفًا لشركة طبية ترغب في احتجازهم كفئران تجارب لمعرفة سر هذا العمر الطويل واستخدامه في منتجاتها، ومن هنا تبدأ المغامرة، خاصة عندما تنضم إليهم زميلة جديدة تتعرف لأول مرة على قدراتها الخارقة العجيبة.
فكرة الأبطال الخارقين ذوي الأعمار الطويلة والقدرة على الشفاء ليست مستجدة في أفلام الأبطال الخارقين، فكل محبي هذا النوع من الأفلام سيتذكرون بسهولة شخصية “لوغان” أو “ولفرين” في سلسلة كوميكس “مارفل” وأفلام “إكس مِن” (X-men)، ولكن كيفية تقديم القصة هي ما يختلف هنا.
فعادة في أفلام الأبطال الخارقين تصبح هذه القصص مجرد خلفية للأحداث، أو مبررا لإبراز أسباب امتلاك الشخصيات هذه القدرات الكبيرة، ولكن في فيلم “الحرس القديم” نجد أن ما يحصل هو العكس، فهذه الأبدية الطويلة التي عاشها الأبطال أو على الأقل “أندي” أدت إلى العديد من التغيرات بالتأكيد في شخصيتها وأفكارها، لذلك تناول الفيلم العديد من المواضيع الفلسفية مثل الوجود والموت والخلود والعائلة والعدالة.
الأكشن أم القصة؟
على الأغلب في أفلام الحركة، نجد أن العمل مقسم إلى مجموعة من مشاهد الحركة العنيفة والسريعة وتربط بينها قصة ما، وكثيرا ما تكون هذه القصة واهية أو مكررة حتى، فكم شاهدنا أفلاما عن اختطاف أحد أفراد الأسرة أو الأحباء، والانتقام أو العنف الذي يتعرض له مقاتل شجاع فيضطر للقتال. ولكن هناك القليل الذي يقوم بالصورة المعاكسة، وهي القصة المتماسكة التي تحتوي على مشاهد حركة مثيرة.
يمكننا هنا إجراء مقارنة بين فيلمين صدرا على نتفليكس أخيرًا وحققا مشاهدات عالية على المنصة، وهما “استخلاص” و”الحرس القديم”، فكلاهما من النوع نفسه وهو الأكشن، ولكن شتان بين طريقتي تقديم النوع، فبينما الأول قدم قصة معادة عن البطل المكتئب الذي يتعلق بطفل صغير ويحاول حمايته لأنه يذكّره بابنه، قدّم الآخر قصة متعددة الخطوط الدرامية وحتى الزمنية، حيث نتعرف على ماضي الشخصيات ما بين الحروب الصليبية إلى عصر نابوليون وحتى ما قبل الميلاد.
هذا جعل الإثارة في فيلم الحرس القديم ليست فقط في مشاهد الأكشن، ولكن كذلك من الشخصيات وتاريخها وطريقة تفاعلها مع الأحداث.
كذلك في فيلم “استخلاص” كانت مشاهد الحركة غالبة على الفيلم، بينما القصة مجرد فواصل عنيفة، والعكس في فيلم “الحرس القديم” حيث مشاهد الحركة دومًا دافعة للأحداث، أو تعرفنا على معلومات جديدة عن الأبطال، أو حتى تثير التساؤلات بينهم وبين أنفسهم، بداية من المشهد الأول الذي كشف في دقائق معدودة سر الشخصيات الرئيسية وطبيعتهم الخاصة.
في النهاية فيلم “الحرس القديم” عمل جيد للغاية، وربما يصبح من أفضل أفلام 2020 خاصة في فئة الأبطال الخارقين، وهو ينبئ ببداية سلسلة جديدة، مع النهاية المفتوحة التي تشير إلى أجزاء قادمة، وربما يصبح لنتفليكس سلسلة أفلام أبطال خارقين خاصة بها قريبا.