وكأن السينما أرادت أن تُجسد مقولة الفيلسوف الألماني نيتشه بأن “الرجل خُلق من أجل أن يمشي في طريق مليء بالأحجار والعقبات” عندما قدمت لنا أفلاما “ذكورية صارخة” لا مجال فيها للأنثى.
فالخشونة الصحراوية الدموية في فيلم “لورانس العرب”، والحياد البارد الصارم المنزوع العواطف لتحقيق العدالة في فيلم “12 رجلا غاضبا”، ومغالبة قسوة البحر وتوحش الأمواج في فيلم “ضاع كل شيء”، ومكابدة قسوة وتوحش الحياة في فيلم “قبعة غلين روس”، كأنها ترجمة لبقية مقولة نيتشه بأن “الأنثى تنشر ذلك العطر الذي يغطي الأجواء من أجل ترطيبها وجعلها أكثر هدوءا ووداعة”.
لكن بعيدا عن الفلسفة، يبقى أن حجر الزاوية في العمل السنيمائي هو “النص” أو السيناريو، فهو الذي يُحدّد شكل الفيلم والأدوات السنيمائية التي تضمن نجاحه بصرف النظر عن المكان أو اللون أو النوع. لذا من الممكن أن نرى فيلما رُشح لجائزة أوسكار، بلا حوار، وليس فيه إلا النجم روبرت ريدفورد فقط، رجل وحيد ضائع في عرض البحر.
12 رجلًا غاضبًا
مسرحية تلفزيونية كتبها ريجنالد روز عام 1954، وكانت هي “النص” الذي ألهم المخرج سيدني لوميت ليصنع منها فيلم “12 رجلا غاضبا” (12 Angry Men) عام 1957، بطولة هنري فوندا (البطل المقاتل لتحقيق العدالة)، ولي جيه كوب (الخصم العاطفي العنيد الشرس).
ورغم كونه فيلما ذكوريا لا أثر فيه لأنثى، فإن أحداثه تقتصر على اجتماع مغلق لهيئة محلفين للفصل في مصير شاب متهم في جريمة قتل. إلا أنه نجح في حبس الأنفاس على مدى 96 دقيقة بمشاهدة 12 رجلا حُشروا في غرفة كئيبة في صيف قائظ ورطوبة خانقة، ليصبحوا وكأنهم “حزمة من أصابع الديناميت”، وفقا لإعلان الفيلم الذي يُعد من أفضل ما أنتجته السينما الأميركية.
الفيلم رُشح لـ3 جوائز أوسكار، و9 جوائز أخرى، وفاز بـ16 جائزة. وجاء ترتيبه في المركز السابع ضمن أفضل الأفلام على مدار التاريخ حسب تقييم موقع آي إم دي بي. وتم ضمه في عام 2007 إلى الأرشيف الوطني السينمائي من قبل مكتبة الكونغرس باعتباره “أثرا حضاريا وتاريخيا وجماليا”.
وقد أعيد إنتاجه تلفزيونيا عام 1997، من إخراج ويليام فريدكين، وبطولة جاك ليمون وجورج. سي سكوت. مع بعض التعديلات، كإضافة شخصيات من أصول أفريقية للمحلفين، والتخفيف من ذكوريته بإسناد دور القاضي إلى ماري ماكدونيل. وفاز بجوائز عدة منها غولدن غلوب.
لورنس العرب
لورنس العرب (Lawrence Of Arabia) فيلم ملحمي ذكوري آخر، من إنتاج 1962. أخرجه ديفيد لين، سيناريو وحوار روبرت بولت ومايكل ويلسون، عن كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” للضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورنس، الشهير بـ”لورنس العرب”، الذي يكشف كيف وظفت الاستخبارات البريطانية قوى عربية لإسقاط الإمبراطورية العثمانية.
تقاسم بطولته بيتر أوتول (تي. أي. لورنس)، وعمر الشريف (شريف علي) وأنتوني كوين (عودة أبو تايه)، كما شارك فيه الفنان جميل راتب بدور (ماجد). وحصد 7 أوسكار، و23 جائزة أخرى، ورشح لـ14 جائزة، واحتل المرتبة 109 ضمن قائمة أفضل الأفلام على مدار التاريخ، حسب تقييم موقع آي إم دي بي.
وفي عام 1998 جاء ترتيبه الخامس في قائمة معهد الفيلم الأميركي لأفضل 100 فيلم أميركي في القرن العشرين.
قبعة غلين روس
“قبعة غلين روس” (Glengarry Glen Ross) فيلم درامي أميركي ذكوري أيضا إنتاج 1992، من إخراج جيمس فولي، وسيناريو الكاتب المسرحي الأميركي ديفيد ماميت، مقتبس عن مسرحية له تحمل الاسم نفسه. عن 4 مندوبي مبيعات يخشون الطرد من وظائفهم.
الفيلم يُعد تحفة فنية أبدع فيها النجوم آلان أركين (جورج أرونو) وآل باتشينو (ريكي روما) وجاك ليمون (شيلي ليفين) وإد هاريس (ديف موس)، في تصوير شخصيات تصارع للإفلات من شروط الرئيس، النجم أليك بالدوين (بليك)، والذي يمنح الفائز الأول في تحقيق المبيعات سيارة كاديلاك، والفائز الثاني طاقم سكاكين مطبخ، أما الثالث والرابع فيُلقى بهم في الشارع.
فاز الفيلم بـ8 جوائز، ورُشح لـ13 أخرى، من بينها جائزة أوسكار.
الربان والقائد
“الربان والقائد: الجانب البعيد عن الوطن” (Master And Commander: The Far Side Of The World) فيلم مغامرات أميركي ذكوري رابع، إنتاج 2003. سيناريو وإخراج بيتر وير، عن رواية للكاتب الإنجليزي باتريك أوبريان.
وتجري أحداثه في عام 1805، إبان الحروب النابليونية، حيث يقوم كابتن جاك أوبري (راسل كرو)، بالاشتباك مع سفينة حرب فرنسية هائلة بالقرب من أميركا الجنوبية.
وفي مقابل شخصية أوبري الفظة ضيقة الفكر، توجد شخصية ستيفن ماتورين (بول بيتاني) طبيب السفينة الذي يؤمن بالتنوير. الفيلم الذي تستغرق مدة عرضه 135 دقيقة، مغامرة طائشة لا تخلو من أجواء المرح والإثارة، ترسم صورة للحرب البحرية، والحياة على متن السفينة وبحارتها.
الفيلم فاز بجائزتي أوسكار، بالإضافة إلى 21 جائزة أخرى، ورشح لـ90 جائزة مختلفة.
ضاع كل شيء
“ضاع كل شيء” (All Is Lost) فيلم النجاة الأميركي الذكوري الخامس والأخير في قائمتنا، إنتاج 2013، تأليف وإخراج جي سي تشاندور، وبطولة نجم واحد هو النجم المخضرم روبرت ريدفورد.
الفيلم لا يحتوي على أي حوار تقريبا على مدى 100 دقيقة، فقط رجل وحيد ضائع بمكان ما في المحيط الهندي، يستيقظ فيجد المياه تغرق قاربه إثر اصطدامه بحاوية شحن أحدث به ثقبا. وبينما يحاول إصلاحه دون جدوى، إذا بعاصفة استوائية تهب في الاتجاه المعاكس فتجبره على ترك السفينة والاستعانة بقارب نجاة يخوض فيه صراعا من أجل البقاء.
الفيلم فاز بـ3 جوائز، منها جائزة غولدن غلوب، ورشح لـ49 من بينها جائزة أوسكار.