في تطور جديد يشهده السوق السينمائي الأميركي والدولي قررت شركة ديزني (Disney) طرح الفيلم المنتظر وأحد أضخم إنتاجاتها لهذا العام فيلم “مولان” (Mulan) عبر منصتها الخاصة للبث الإلكتروني (Disney Plus)، وذلك في 4 سبتمبر/أيلول المقبل.
وكان الموعد الأصلي لطرح الفيلم هو 27 مارس/آذار الماضي، وقد جرى تأجيله أكثر من مرة، قبل أن تعلن ديزني رفع الفيلم من جدول عروضها الأسبوع الماضي.
وتعتقد الشركة أن إطلاق هذا الفيلم الملحمي والمنتظر بشدة سوف يدفع نحو ازدهار منصتها الإلكترونية للعرض حسب الطلب ويضمن إقبال المزيد من المشتركين الجدد، كما أنه سيمثل في الوقت نفسه بالونة اختبار لمعرفة الحجم الحقيقي للمشاهدين الراغبين في الاستعاضة عن العروض الحية في قاعات السينما بأخرى منزلية.
وعلى خلاف المحتوى المتاح على منصة ديزني بلس فإن فيلم “مولان” لن يكون متاحا بشكل مباشر للمشتركين في المنصة، وسيتعين على الراغبين في مشاهدة الفيلم أن يدفعوا رسوم استئجار تبلغ 29.9 دولارا، بالإضافة إلى قيمة الاشتراك الشهري الاعتيادية والتي تبلغ 6.99 دولارات، أما في البلاد التي لا تتاح فيها خدمة ديزني بلس فسيتم طرح الفيلم بشكل تقليدي في دور العرض.
وفي تصريح لمجلة “فاريتي” Variety قال بوب تشابيك المدير التنفيذي لشركة ديزني إنه لا يمكن اعتبار هذا القرار بمثابة نموذج عمل جديد، ولكنه قرار استثنائي يخص هذا الفيلم وهذه الحالة فقط، حتى وإن بدا خلاف ذلك.
وتنطوي تصريحات تشابيك على تلميح لأصحاب دور العرض بأن شركة ديزني لن تدير ظهرها لهم، ولن تصرف النظر عن العروض السينمائية الحصرية لدور العرض ولمدة كافية قبل الطرح التلفزيوني أو الإلكتروني، ولا سيما أنها تمتلك حصة كبيرة نسبيا من سوق العرض في الولايات المتحدة.
بيد أننا لا نستبعد استبطان تشابيك نية جس نبض العارضين لاستقراء الموقف واتخاذ قرارات لاحقة بشأن عدد كبير من الأفلام التي تم تأجيل عرضها المرة تلو المرة منذ بداية الجائحة وإغلاق دور العرض السينمائية.
وقد عبر تشابيك عن ذلك بلا مواربة عندما استدرك قائلا “إن ديزني تسعى للتعلم من هذه التجربة، والتأكد ما إذا كانت الإيرادات التي سيحققها “مولان” من العرض المنزلي جيدة بالقدر الكافي لتكرار التجربة مع أفلام أخرى”.
ويمثل قرار ديزني تحولا كبيرا في النموذج التجاري المعروف بالعرض حسب الطلب (Video on demand)، إذ يختلف عن النموذج المتبع من كافة المنافسين، كما أنه أكثر ربحية بالنسبة للمنصة بما يمثل 500% إضافة إلى قيمة الاشتراك الشهري الاعتيادي.
من ناحية أخرى، أثار هذا القرار العديد من التحفظات بشأن القدرة الشرائية للمشاهد/المستهلك، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة بسبب جائحة كورونا إلى معدلات قاربت نظريتها في حقبة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
ويأتي قرار ديزني بعد أيام قليلة من إطلاق شركتي “مسارح إيه إم سي” (AMC Theatres)، و”يونيفرسال” (Universal) مفاجأة مدوية بإعلانهما عن اتفاقية تقضي بتقديم العرض المنزلي لبعض الأفلام بعد 17 يوما فقط من العرض المسرحي، في حين أن العرف السائد في الولايات المتحدة يقضي بحصرية العرض المسرحي لمدة 90 يوما كاملة قبل الطرح الإلكتروني أو المنزلي عبر أي من الوسائط المختلفة كالمنصات الإلكترونية والقنوات الفضائية والنسخ المدمجة، وهو القرار الذي اعتبرته الشركتان تطورا لا مفر منه في سوق التوزيع السينمائي.
ويشير قرار ديزني بطرح فيلم “مولان” عبر نموذج العرض حسب الطلب إلى توجه الشركة إلى زيادة الاعتماد على منصة ديزني بلس في الوقت الذي تعرضت فيه أغلب أعمال الشركة التجارية مثل مدن الملاهي وقاعات السينما وسلاسل المتاجر لضربة قاصمة بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تسببت فيها جائحة كورونا.
ويقول تشابيك إن عرض عمل ضخم مثل “مولان” على المنصة الإلكترونية سيمثل حافزا للكثيرين للاشتراك في المنصة، كما أنه سيمثل فرصة لاسترداد جانب من الاستثمار الأصلي في الفيلم.
وكانت ميزانية فيلم “مولان” قد بلغت 200 مليون دولار، فضلا عن بضعة ملايين أخرى أنفقت على حملة دعائية ضخمة على مستوى العالم.
من ناحية أخرى، يمثل قرار ديزني مؤشرا إضافيا لتضاؤل ثقة العارضين في إعادة التشغيل الكامل والآمن لدور العرض السينمائية في المستقبل القريب، خاصة بما يفي باحتياج الأعمال ذات الميزانيات الكبيرة والإنتاج الضخم.
وقبل أيام من رفع ديزني فيلم “مولان” من خطة العروض قامت أستديوهات “وارنر بروس” (Warner Bros) برفع فيلم “عقيدة” (Tenet) من جدولها، وهو فيلم الخيال العلمي من إخراج المخرج الأميركي الشهير كريستوفر نولان، ومن المتوقع أن يبدأ عرض الفيلم دوليا بداية من 26 أغسطس/آب الجاري، على أن يتم عرضه بشكل محدود في عدد من المدن بالولايات المتحدة بدءا من يوم 3 سبتمبر/أيلول المقبل.
فيلم “مولان” هو نسخة حية من فيلم الرسوم المتحركة الكلاسيكي من إنتاج عام 1999، والذي يحكي أسطورة المحاربة الصينية مولان التي تتخفى في زي الرجال لتعفي والدها المسن من تأدية الخدمة العسكرية والاشتراك في الحرب.
وكان من المتوقع أن يحقق الفيلم نجاحا تجاريا عظيما، ولا سيما أنه كان من المخطط طرحه بشكل واسع في دور العرض الصينية، غير أن رياح كورونا أتت بما لا تشتهي سفن صناعة السينما في العالم، وعلى رأسها شركة ديزني.