مع تخفيف دول العالم إجراءات الإغلاق التي كانت فرضتها للسيطرة على وباء فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19، تثور تساؤلات عما إذا كان هذا قد يؤدي إلى تفجّر موجة جديدة من الإصابات.
وكان من أهم الدوافع لتخفيف إجراءات الإغلاق في العديد من الدول، إنقاذ الاقتصاد المتعثر. فملايين الناس فقدوا وظائفهم، وهناك شركات أغلقت ومصالح تجارية واقتصادية تدمرت، وهذا قد يقود إلى قلاقل اجتماعية وسياسية.
وبعد أن أدى عزل عام صارم إلى إبطاء حالات الإصابة بكورونا، تشهد دول أوروبية كثيرة -على سبيل المثال- سلسلة جديدة من تفشي المرض، بعد تخفيف القيود في محاولة للحد من الأضرار الاقتصادية وتخفيف إحباط الناس.
لذلك يظهر أن هناك تفكيرا في فرض الإغلاق مرة أخرى في بعض الأماكن، وذلك نتيجة الخشية من حدوث موجة ثانية من فيروس كورونا المستجد.
في المقابل، فإن القيود التي ما زالت مفروضة لإبطاء انتقال الوباء، أو التلويح بإعادة الإغلاق، تثير حالة من الغضب لدى شرائح قد تكون تأذت نتيجة الإغلاق.
ونستعرض هنا تجارب بعض الدول في الفترة الحالية، وهل أدى تخفيف الإغلاق إلى ارتفاع الإصابات؟
فرنسا.. تحذير من الارتفاع
أظهرت بيانات أن الفيروس بدأ ينتشر على نطاق أوسع في باريس والضواحي الفقيرة منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، وأن معدل الاختبارات الايجابية في منطقة باريس الكبرى يبلغ الآن 2.4% مقابل متوسط عام يبلغ 1.6% مقارنة بالأرقام المسجلة قبل فرض إجراءات الإغلاق.
ومع أن وكالة الصحة العامة الفرنسية تؤكد أن وتيرة انتشار العدوى في الوقت الراهن منخفضة، فإنها تحذر من ارتفاع عدد الحالات.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لاكروا” الفرنسية (La Croix)، قال الكاتب بيير بيانفول إن التحذير الذي أصدرته وكالة الصحة العامة الفرنسية في نشرتها الأسبوعية يوم الخميس 6 أغسطس/آب، يأتي بعد إشعار صادر قبل يومين أكد فيه المجلس العلمي أن “من المحتمل أن تشهد البلاد موجة ثانية من الفيروس في الخريف القادم”.
هذا الوضع الوبائي دفع إيمانويل ماكرون -يوم الخميس- إلى الإعلان عن ضرورة عقد اجتماع بشأن الفيروس يوم 10 أغسطس/آب.
وذكر الكاتب أن معدل الإصابات آخذ في الارتفاع. ففي الفترة بين 27 يوليو/تموز و2 أغسطس/آب، قدّر هذا المعدل بـ11.6 إصابة لكل 100 ألف ساكن، مقابل 8.7 حالات في الأسبوع السابق. كما أن عدد الاختبارات الإيجابية في ارتفاع مستمر ولكن بشكل طفيف، وذلك لأنه من بين جميع من خضعوا للاختبارات خلال الأسبوع الأخير من يوليو/تموز الماضي، كانت 1.5% فقط من الاختبارات إيجابية مقابل 1.3% في الأسبوع السابق.
ووفق هذه المؤشرات، فإن من الواضح أن فيروس كوفيد-19 عاد للانتشار في جزء كبير من فرنسا، خاصة بين الشباب. ففي باريس، وإقليم سين سان دوني وأوت دو سين وفال دو مارن، سُجلت زيادة حادة في عدد الإصابات خاصة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 سنة، بمعدلات تتراوح بين 50 و70 حالة لكل 100 ألف ساكن.
ويقول الأستاذ والباحث في معهد الدراسات العليا في الصحة العامة بفرنسا باسكال كريبي، “لا تتطور الأرقام بالسرعة التي شهدناها في الأسابيع السابقة للإغلاق. وفي الوقت الراهن، الوضع تحت السيطرة، ويمكن أن يظل كذلك إذا احترم السكان الإجراءات الوقائية. ولكن مع عودة الفيروس للانتشار مجددا نخشى أن يتكرر ما حدث في فبراير/شباط”.
إيران.. لا جدية تجاه المرض
وبعد انخفاض أولي في عدد الإصابات منتصف مايو/أيار، خففت إيران من التدابير التي كانت فرضتها لمنع انتشار فيروس كورونا، وأعادت فتح الاقتصاد مرة أخرى، وهو ما يرى الخبراء أنه أدى إلى زيادة كبيرة في الإصابات لاحقا.
ويقول مسؤولو وزارة الصحة إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتخفيف الإغلاق، أدت إلى توقف المواطنين عن أخذ المرض على محمل الجد، مما أدى بدوره إلى ارتفاع كبير في عدد الوفيات والإصابات.
وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية -اليوم الأحد- أن إجمالي عدد إصابات كورونا في البلاد تجاوز 326 ألف حالة، بعد تسجيل 2020 إصابة جديدة.
جنوب أفريقيا.. لم نتخلص من الوباء بعد
وقال وزير الصحة في جنوب أفريقيا زويلي مكويزي -الثلاثاء- “لم نتخلص بعد” من الوباء. وأشار إلى أن بلاده كان من الممكن أن “تصل إلى ذروة (وباء كورونا) في نهاية أغسطس/آب”، لكنه حذر من خطر موجة ثانية في حال رفع التدابير الصارمة المتخذة لاحتواء انتشار الفيروس بشكل متسارع.
وتناقص عدد الإصابات المسجلة يوميا في البلاد بشكل طفيف، فتراجع إلى ما دون 10 آلاف مقارنة بمتوسط 12 ألف إصابة يومية في يوليو/تموز. وقد قضى بالوباء على أكثر من 9 آلاف شخص.
نيجيريا.. توقع زيادة
وتخشى السلطات في نيجيريا حدوث موجة ثانية أكثر خطورة من كورونا. وقال بوس مصطفى -الذي يقود حملة مكافحة فيروس كورونا في الرئاسة- إنه يتوقع “زيادة أخرى في عدد الإصابات” مع تخفيف القيود.
وسجّلت نيجيريا -التي يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة- 45 ألفا و244 إصابة على الأقل و930 وفاة، وانخفضت الإصابات اليومية التي تراوحت بين 500 و800 إصابة الشهر الماضي إلى 300 أو 400.
الهند.. زيادة قياسية
وشهدت عدة ولايات في الهند، منها بيهار في الشرق، زيادة في حالات الإصابة الجديدة في الأسابيع الماضية، في ظل تخفيف إجراءات العزل لإنقاذ اقتصاد متعثر بالفعل.
وأعلنت الهند الجمعة تسجيل زيادة قياسية يومية في حالات الإصابة بفيروس كورونا، ليتجاوز إجمالي الإصابات لديها مليوني حالة.
أستراليا.. موجة ثانية
وأعلنت ولاية فيكتوريا الأسترالية -اليوم الأحد- تسجيل 17 وفاة بفيروس كورونا، في أكبر حصيلة ضحايا للوباء، وذلك رغم ظهور مؤشرات على تراجع عدد الإصابات الجديدة.
وسجلت الولاية -وهي ثاني أكبر منطقة سكنية في البلاد ومركز موجة تفش ثانية للمرض- 394 إصابة جديدة خلال الساعات الـ24 الماضية، مقارنة بمتوسط يومي يتراوح بين 400 و500 إصابة على مدار الأيام السبعة الماضية، وبلغ إجمالي الوفيات بالفيروس في فيكتوريا 210 حالات.
هونغ كونغ.. موجة ثالثة
وما زالت هونغ كونغ تواصل مكافحة الموجة الثالثة من الإصابات التي أسفرت عن التفشي الأكثر خطورة منذ ظهور الفيروس في المدينة.
ويعتقد خبراء أن أحدث موجة هي نتيجة لإعفاءات واسعة النطاق من التدابير الوقائية التي طبقتها الحكومة، حيث سمحت لأكثر من ربع مليون زائر بالتحرك بحرية في المدينة دون الخضوع للحجر الصحي أو اختبارات الكشف عن كورونا.
وتوفي 4 مرضى مسنون بسبب فيروس كورونا في هونغ كونغ اليوم الأحد، مما يرفع حصيلة الوفيات إلى 51، بينما ذكر مصدر طبي أن المدينة ستشهد 70 إصابة جديدة أخرى، طبقا لما ذكرته صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” الصينية اليوم. وكان الضحايا الأربعة يعانون من أمراض مزمنة، وتفاقمت حالتهم منذ نقلهم إلى المستشفى.
وبلغ إجمالي عدد الإصابات بفيروس كورونا في هونغ كونغ حتى أمس السبت 4007.