يواجه الآباء والأمهات في كل مرحلة من مراحل نمو أطفالهم، أوقاتًا يكون الطفل فيها ثائرًا أو عنيدًا أو متمردًا. ولعل المرحلة الأكثر صعوبة هي الوقت الذي يصل فيه الابن إلى مرحلة المراهقة، التي تكون مرحلة صعبة في كل الأحوال.
ومن المألوف أيضًا أن يواجه الآباء وأطفالهم قائمة لا نهاية لها على ما يبدو من المشكلات المتجددة، ولكن يمكن أن يساعد التعرف على الأسباب الجذرية لسلوك الطفل المتمرد وكذلك كيفية إدارته في منع نشوب أو التغلب على تلك المشاكل، حسب ما جاء في مقال نشره موقع Healthline الأميركي.
يجب الأخذ في الحسبان أن الطفل هو شخص مستقل، لديه أفكار ومشاعر ربما لا تتوافق بشكل دائم مع أفكار ومشاعر الأبوين. ولكن عندما تظهر مشاعر الأطفال كسلوك متمرد، فربما يكون من الصعب تعلم كيفية التعامل مع تلك الحالة وكيفية مساعدتهم على تجاوزها.
عبارات محايدة بسيطة
يجب أن يضع الأبوان في اعتبارهما عمر طفلهما فربما يكون التعامل مع طفل متمرد أمرًا صعبًا، ولكن عليهما تعديل أسلوبهما وفقًا لعمر الطفل.
فبينما يمكن إجراء محادثة صريحة من القلب إلى القلب مع طفل مراهق، فلن يكون من المنطقي إجراء محادثة طويلة مع طفل صغير أو طفل ما قبل المدرسة أو طفل في سن الابتدائية المبكرة.
ولكن يمكن جعل المحادثات مع الأطفال، الأصغر سنًا، حول السلوك المتمرد أقصر بمفردات بسيطة يفهمها الصغار. وتعني عبارات محايدة بسيطة مثلًا أن تقول له: “أتفهم أنك مستاء، لكننا لا نرمي ألعابنا لمجرد أنه لا يمكننا الحصول على حجر بطارية جديد”، وهي بالطبع أفضل من النبرة الاتهامية التي تقول: “لماذا ترمي ألعابك، أنا أكره عندما تفعل ذلك!”.
التحكم في العواطف
ربما يكون أمرًا صعبًا بشكل خاص لأن الوالدين لديهما مصلحة راسخة في كبح تصرفات طفلهما المتمردة. لكن الانفعالات العاطفية من سلوك الطفل تضع نغمة سلبية لأي تفاعلات من جانبهما، ويجعل من الصعب على أي منهما الوصول إلى السبب الجذري لحالة التمرد، علاوة على أنه من الصعب للغاية إقناع الطفل المتمرد في أي عمر بأنه يجب عليه اتباع التوجيهات بالصراخ في وجهه.
من المهم تعليم الأطفال الأصغر سنًا باتباع التكتيكات مثل جعلهم يجلسون، أو أن يقوم أحد الأبوين بالعد إلى رقم معين (عادةً 10 جيد)، أو يمكنهما التنفس البطيء للمساعدة على الهدوء، وتجنب الصراخ بوجه الطفل.
لا للديكتاتورية
لا يجب أن تتعامل مع الأبوة والأمومة على أنها ديكتاتورية. في حين أنه من الطبيعي تمامًا التعامل مع أغلبية أو تقريبًا جميع خيارات وقرارات الطفل عندما يكون صغيرًا جدًا، لا يمكن توقع أن يستمر ذلك إلى الأبد، بل إنه يجب أن يحصل الأطفال الصغار على خيار أو خيارين كل يوم، مهما كانوا صغارًا.
فحصت إحدى الدراسات سلوك المراهقين للأطفال، الذين نشأوا في كنف آباء مستبدين في سنوات ما قبل المدرسة، بالمقارنة مع أطفال لأسر ديمقراطية وموثوقة مع أطفالهم، وتوصل الباحثون إلى أن الأطفال الذين تمت تربيتهم من قبل آباء ديمقراطيين وموثوقين كانوا أكثر كفاءةً وتكيفًا مع المراهقين.
وينصح الخبراء بمنح مزيد من الحرية للطفل طالما أنه لا يسعى إلى استغلالها في فعل شيء خطير، مثل تعاطي المخدرات، للمساعدة على تقليل طرق التمرد.
بالنسبة للأطفال الصغار، يمكن أن يكون الأمر بسيطًا مثل السماح لهم باختيار ملابسهم لليوم أو وجبتهم التالية. أما بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، فيمكن أن تكون الخيارات المشروطة هي التي تتوقف عليهم باتباع الحدود الموضوعة.
الحدود واضحة
من الحقائق المعروفة أن الأطفال غالبًا ما يكونون متمردين لأنهم يريدون اختبار حدود والديهم لمعرفة المدى الذي يمكنهم الذهاب إليه قبل مواجهة العواقب. لذا، إذا لم يكن قد قاما من البداية بتوضيح أين تنتهي الحدود المسموح بها، فإن اللوم يقع عليهما. ويجب أن يسارعا بوضع المبادئ التوجيهية والإصرار على الالتزام بها، أما إذا كان هناك مبادئ وأوامر صارمة بالفعل فينبغي التفكير في تخفيفها تدريجيًا.
توقع حدوث أخطاء
يتزامن مع وضع قواعد أن يكون هناك عقاب ما عند مخالفتها في حدود منطقية ومعقولة. إلا أنه لابد، في الوقت نفسه، أن يدرك الوالدان أنه لا يجد إنسانًا مثاليًا وربما يقع الطفل في بعض الأخطاء أو الزلات.
وفي هذه الحالات، لابد من تذكر كل الجوانب الإيجابية للطفل، وعدم التركيز على الجانب السلبي فحسب، أو التصرف وكأن زلة واحدة هي علامة على أنه فاشل أو أن الأبوين فشلا في تربيته.
أسباب السلوك المتمرد
على الرغم من أنه يمكن أن يظهر بشكل مختلف في الأطفال من جميع الأعمار، فإن السلوك المتمرد عادة ما يكون له بعض الأسباب الجذرية الشائعة:
متاعب فسيولوجية
يصبح الطفل، في سن ما قبل المدرسة، غاضبًا للغاية ويتمرد عندما يفوت قيلولة أو يمضي وقتًا طويلاً دون تناول وجبة خفيفة. قبل الثورة بوجه الطفل أو معاقبته يمكن التأكد من أنه حصل على قسط من الراحة وتناول وجبة مشبعة.
القضايا الظرفية
يمكن أن يكون التمرد أيضًا علامة تحذير بأن أشياء أخرى ربما تحدث في حياة الابن. ويمكن لسيناريوهات مثل تعرض طفل لمشهد مشادة زوجية بين الأبوين أو عنف جسدي أو حتى التنمر، وفي بعض الحالات الأسوأ التعرض للاعتداء الجنسي، أن تتسبب في أن يتحول الطفل “حسن الأخلاق” في السابق إلى طفل متمرد بشكل مفاجئ وملحوظ.
وهم الاختيار
بغض النظر عن العمر، يكون هناك الكثير مما يمكن أن يكون سببًا لحالة تمرد الطفل، منها عدم حريتهم في اختيار ملابسهم التي يرتدونها أو ماذا يأكلون وحتى ما يمكنهم مشاهدته.
إن إعطاء الأطفال الأصغر سنًا “وهم الاختيار”، مثل المفاضلة بين طاقمي ثياب أو وجبات خفيفة والسماح لهم بالاختيار فيما بينهم، يمكن أن يمنحهم إحساسًا بالحرية والسيطرة أثناء كبح التمرد.
تأكيد الاستقلال
يمكن أن يمر الطفل بمرحلة تمرد الغرض منها تأكيد الاستقلال في أي فئة عمرية، ولكن غالبًا ما يعاني منه آباء المراهقين، بشكل أكثر شيوعًا، إذ يريد الطفل إثبات أنه لم يعد “رضيعًا” بعد الآن وربما يظهر هذا السلوك في رفض القيام بالأنشطة، التي اعتاد أن يحبها أو اللعب مع الأصدقاء المفضلين له من قبل.
وبقدر ما يمكن أن يكون هذا الأمر مرهقًا، إلا أنه يجب على الآباء الاستمرار في التركيز على تعزيز القيم والمبادئ التوجيهية الإيجابية. وبالنسبة للأطفال الأكبر سنًا الذين هم في سن الاستقلال بالفعل، فإن السماح أحيانًا لبعض عواقب العالم الواقعي بالظهور، تحت رقابة وسيطرة الوالدين، أن يكون بمثابة معلم أفضل من أي تداعيات ربما يقوم أحد الوالدين بفرضها.
اضطراب العناد الشارد
في حين أنه من المرجح أن يكون سلوك طفلك ناتجًا عن معركة على الاستقلال والسيطرة، فمن المحتمل أن يكون اضطراب التحدي المعارض، الذي يشار إليه اختصارًا بـ ODD، يلعب دورًا. وتشمل علامات اضطراب العناد الشارد:
ـ الخلافات أو الخلافات المتكررة مع الكبار
ـ موقف سلبي أو غاضب أو حتى عدواني
ـ التفاعلات العدوانية والقاسية مع الأقران
ـ الرغبة في الانتقام
ولكن يمكن أيضًا أن تُعزى هذه الإجراءات إلى مشكلات أخرى تتعلق بالصحة العقلية أو البدنية. لذا، قبل أن يفترض الأبوان أن الطفل يعاني من اضطراب العناد الشارد، يجب استشارة طبيب الأطفال أولًا للتأكد من عدم وجود مشكلات أساسية أخرى. فإذا تأكد أنها مشكلة ODD، فإن اللجوء لطبيب متخصص سيعد خيارًا مناسبًا.
أما فيما يتعلق بباقي الحالات الشائعة، فإن القدرة على التمييز بين الأسباب الجذرية للتمرد ستساعد على ضمان تقدم الطفل بنجاح من خلال نموه العاطفي. وباستخدام الأدوات السلوكية والتأقلم الصحيحة، سيكون الأطفال قادرين على مواجهة أي مرحلة رشد في طريقهم.