منذ صدور فيلم “بن هور” (Ben-Hur) عام 1959، كأول ملحمة ضخمة من “الفانتازيا” التاريخية امتدت إلى 3.5 ساعات، محطما رقما قياسيا بحصده 11 جائزة أوسكار، حلّ الخيال الملحمي محل الاهتمامات المعاصرة، وأصبح الجمهور شغوفا بالمعارك الأسطورية ذات الحشود الكبيرة والأجواء التاريخية الخيالية أو الكارثية، ربما أكثر من انتباهه للعالم الذي يعيش فيه.
وحتى يومنا هذا لم يتحطم الرقم القياسي للفوز بهذا العدد من جوائز أوسكار، فبعد مرور 4 عقود صدر فيلم “تيتانيك” Titanic) 1997)، بإنتاج ضخم وتقنيات بصرية وصوتية فائقة لتحقيق التجسيد الأمثل للأجواء الكارثية الغارقة في الرومانسية. دون أن يتجاوز ما حصل عليه “بن هور” من جوائز.
وهو ما حدث مع فيلم “سيد الخواتم: عودة الملك” (The Lord of the Rings:The Return of the King)، الذي رغم إمكاناته الضخمة ومعاركه الأسطورية وأجوائه الخيالية وخيوط الحبكة المحكمة، لم يتجاوز حاجز 11 جائزة في حفل أوسكار 2004. لتبقى هذه الأفلام الثلاثة الأكثر تتويجا بالتمثال الذهبي في التاريخ حتى الآن.
سيد الخواتم- عودة المَلك
فيلم “سيد الخواتم: عودة الملك” هو الجزء الثالث والأخير من العمل الملحمي “سيد الخواتم”، أخرجه عام 2003 بيتر جاكسون، وشارك في كتابته عن رواية الكاتب البريطاني “جاي آر تولكين”، وصوره في مسقط رأسه “نيوزيلندا” محدثا ثورة في التقنيات السينمائية.
فإلى جانب الإبداع في قدرة جاكسون على دمج اللقطات المنفذة بالحاسوب مع اللقطات الفعلية بالحجم الكامل، بحيث تبدو جميعها وكأنها قطعة واحدة، يأتي دور المؤثرات الخاصة في تجسيد أصوات الوحوش والكائنات الخيالية. علاوة على التدريبات المكثفة لفريق العمل، تحت إشراف متخصصين، على اللغات القديمة وفنون القتال والمبارزة بالسيف والفروسية وبناء اللياقة البدنية، لأداء مشاهد وخوض معارك تتطلب جهدا شاقا.
بالإضافة إلى استخدام الأطراف الصناعية للظهور بمظهر الجن أو الأقزام. مما جعل الحرص الشديد على الواقعية يتسبب في العديد من الإصابات الجسدية للممثلين. حتى قال جاكسون “لقد أصبح العمل أكثر واقعية مما كنت أتخيل”.
وجاء الفيلم مبهرا “بتصويره أحداثا رائعة ذات حجم وقوة لا يمكن تخيلها، بالاعتماد على الخداع البصري. حيث نرى جيشا من الموتى ينضمون إلى المعركة، وتنانين طائرة وأفيالا ضخمة، وآلاف القتلى، فنشعر بالرعشة المقنعة للتأثيرات التي لا توجد إلا في الخيال” بحسب الناقد روجر إيبرت.
لم تخل ملحمة جاكسون الضخمة من مشاهد رومانسية، وقدمت نهاية رائعة حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، بـ “عودة الملك” التي تعني عودة الإنسان لإقامة العدل والقضاء على الخوف في الأرض.
تيتانيك
فيلم أميركي إنتاج 1997، تكمن عبقريته في المعالجة الرومانسية التي قدمها المخرج الكندي جيمس كاميرون، ليصنع تحفة فنية من الناحية السردية، وهو يتناول “أحد أكثر الكوارث الإنسانية تأثيرا في التاريخ” مفتتحا بلقطة لسفينة آر إم إس تيتانيك، والكاميرا تجتاحها بشكل مهيب من المقدمة إلى المؤخرة بطول 900 قدم تقريبا.
وبعد المرور على قصة حب لحشد انتباه المشاهدين وشحذ عواطفهم، ظل كاميرون طوال الوقت يطلق إنذارات كارثية، كأوجه القصور في طوافات النجاة، وغرور مصممي السفينة وقبطانها. قبل أن يعيد تصوير مخاض الموت الرهيب بغرق السفينة على مدى 2.5 ساعة، مقدما “أحد ملاحم هوليود العظيمة، المصنوعة بقوة والمصممة بذكاء وكأنها إعادة لاختراع العجلة، بحسب إيبرت أيضا.
ورغم الصعوبات التقنية، بدا التوظيف المتوازن لعناصر المؤثرات الخاصة واضحا، في النماذج التي صنعت للسفينة، والمؤثرات البصرية والرسوم الحاسوبية المتحركة، مما جعل المشاهد يصدق رغم علمه بأن ما يراه ليس محيطا حقيقيا، بعد أن نجح كاميرون في جعل الوهم مقنعا وسلسا.
لقد أخذنا كاميرون إلى ما هو أبعد من الغرق، ووضعنا داخل نفسية أولئك الذين لقوا حتفهم والذين نجوا أيضا. لنرى جوانب من أنفسنا وندرك أنه مهما كان شكل النهاية فنحن جميعا في نفس القارب.
“تيتانيك” إذن ليس فيلما كارثيا هزيلا يعتمد على التكنولوجيا، ولكنه فيلم كبير يشكل “نطاقا استقصائيا لما يمكن أن تحققه البشرية من نتائج قد تولدها هذه المآسي”، بحسب هوليود ريبورتر.
“بن هور”
هذا الفيلم تاريخي ملحمي أميركي أنتج عام 1959، وأخرجه ويليام وايلر، ليكون أول أفلام هوليود الدينية التي تحظي بموافقة الفاتيكان. سيناريو غور فيدال، مقتبس من رواية بعنوان “بن هور: حكاية المسيح” للكاتب الأميركي ليو والاس. تحكي قصة تاجر يهودي يدعى يهوذا بن حور، يعيش في القدس بداية القرن الأول الميلادي، ويتعرض للخيانة من أقرب صديق له هو القائد العسكري الروماني ميسالا، فيفقد كل شئ بما في ذلك حريته.
وهو أحد الأعمال المميزة في ذلك الوقت، كتجربة درامية غنية ومغامرة رائعة مليئة بالإثارة والجمال البصري، بالإضافة إلى احتوائه على مجموعة مذهلة من المناظر الخلابة والعجائب والمشاهد والأصوات التي لا تُنسى. ناهيك عن 50 سفينة تم إنشاؤها خصيصا للمعركة البحرية، وحجم إنتاج مادي وتقني لا مثيل له آنذاك، بحسب هوليود ريبورتر.
يكفي سباق العربات الذي استغرق 45 دقيقة من هذه الملحمة التي تبلغ مدتها 3 ساعات و37 دقيقة، ليصنف من أكثر المشاهد إثارة تصويرية ودرامية لدى جمهور السينما، ويصبح بمثابة علامة تجارية تحفظ في أرشيفات الأفلام كأفضل نموذج لاستخدام كاميرا الصور المتحركة، وفقا لموقع فارايتي.
بالإضافة إلى مشهد ردود فعل الغوغاء المتوترة، والمعركة البحرية بين الرومان والمقدونيين، واللقطات غير المعتادة لمجدفي الرقيق، وكثير من المشاهد المؤثرة والمثيرة للقلق، كعلاقة يهوذا العاطفية مع أستير، وتعاونه مع الفارس العربي الشيخ ألدريم، وصراعه مع ميسالا.