تحدث رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون يوم الأربعاء عن مشروع جديد للتصدي لانتشار فيروس كورونا في البلاد أطلق عليه اسم مشروع “مونشوت” (أي رحلة إلى القمر، وهو تعبير يطلق على فكرة ثورية وطموحة لحل مشكلة مستعصية) يتلخص في إخضاع الملايين من سكان البلاد للفحص يوميا على أن تظهر نتائج هذه الفحوص في غضون 20 دقيقة.
وقال جونسون إن من شأن هذا المشروع “السماح للمواطنين بممارسة حياتهم بشكل اعتيادي” إذا أظهرت الفحوص التي تجرى عليهم نتائج سلبية، فسيتمكنون على سبيل المثال من حضور مباريات كرة القدم أو العروض المسرحية بعد اجرائهم الفحص في ذلك اليوم.
وسيعني الحصول على نتيجة سلبية (أي انعدام وجود الفيروس) السماح بالاختلاط بالآخرين دون الحاجة للالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي.
ولكن هل يتسم هذا المشروع الذي يعتمد على فحص أعداد كبيرة من الناس بشكل مستمر وسريع بالواقعية؟
“أفضلية قصوى”
يشمل المشروع الجديد رفع وتيرة الفحوص الجارية حاليا – والمتوفرة مجانا من خلال نظام التأمين الصحي لكل الذين يعانون من أعراض الإصابة بالفيروس – علاوة على تطوير فحوص جديدة سريعة تجري تجربتها على الجمهور في مدينة سالفورد القريبة من مانشستر شمال غربي بريطانيا وعلى طلاب المدارس والجامعات في مدينة ساوثهامبتون جنوبي البلاد.
وتشتمل بعض من هذه الفحوص على مسحات تؤخذ من الأنف والحنجرة، بينما تشتمل أخرى على فحص اللعاب الذي يجمع في حاويات خاصة.
ولكن العامل المشرك في كل هذه الفحوص هو إمكانية التعامل مع العينات ميدانيا دون الحاجة إلى ارسالها إلى المختبر.
وسيخضع لهذه الفحوص:
1 ـ الذين تظهر عليهم أعراض مرض كوفيد- 19
2 ـ الذين كانوا على اتصال بالذين تثبت إصابتهم بالمرض
3 ـ المعرضون للإصابة، كالمدرسين وأولئك الذين يعيشون في مناطق تشهد انتشارا للفيروس، ولكن التقنيات التي تعتمد عليها هذه الفحوص الجديدة لم تثبت فعاليتها بعد.
وورد في نسخ مسربة من الخطط التي أعدتها الحكومة البريطانية في هذا المجال أن الفحوص الشاملة تعد “أولوية قصوى”.
ولكن جونسون اعترف بأن المشروع “طموح”.
ولكن ما هو رأي العلماء؟
تقول الدكتورة ناتالي ماكديرموت، خبيرة الأمراض المعدية في جامعة كينغز كوليج في لندن، إن فكرة تطوير فحص سريع فكرة ممكنة التطبيق، ولكن “لا نعلم بعد مدى دقة هذا الفحص وحساسيته”.
ثم هناك معضلة إيصال هذه الفحوص إلى أفراد المجتمع وجمع وتحليل نتائجها.
وتقول الدكتورة ماكديرموت في هذا الصدد “من الممكن لأماكن العمل والمدارس تنظيم إجراء الفحوص، ولكن في هذه الحالة سنشهد الناس وهم ينتظمون في طوابير انتظارا للنتائج”.
وكيف سيتم التعامل مع هذا الاكتظاظ إذا كان 70 ألفا من مشجعي الكرة يريدون الدخول إلى الملاعب على سبيل المثال؟
“نتائج خاطئة”
في غضون ذلك، قال الأستاذ ديفيد شبيغلهالتر، أخصائي الإحصاء في جامعة كمبريج، لبي بي سي إن ثمة “خطرا كبيرا” من النتائج الإيجابية الخاطئة، أي نتائج الفحوص التي تبين الإصابة بالفيروس عند أناس غير مصابين.
ويقول “تبدو المسوح الشاملة كفكرة جيدة في كل الأمراض”، ولكن نتائج هذه الفحوص ليست دقيقة 100 في المئة في أغلب الأحيان.
فاذا افترضنا أن 1 في المئة من هذه الفحوص تعود بنتائج خاطئة، سيعني ذلك أن فحص سكان بريطانيا البالغ عددهم 60 مليون نسمة سينتج عنه “تصنيف 600 ألف شخص على أنهم مصابون بالفيروس خطأ”.
وهذا سيخلق تحديات كبيرة إذ اضطر هؤلاء والأشخاص المقربون منهم إلى عزل أنفسهم والتخلف عن الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم.
وتعترف جيني هاريس، نائبة رئيس القطاع الطبي في إنجلترا، بأن تطبيق فكرة الفحوص الشاملة “يشكل تحديا كبيرا”.
وتقول إن تطوير فحوص سريعة جار على قدم وساق، ومن الممكن أن تكون هذه الفحوص جاهزة “في غضون فترة قصيرة نسبيا”.
ولكن العراقيل الكبرى التي ستواجه هذا المشروع تتلخص في إنتاج الفحوص وتوفيرها وتوزيعها.
فالفحوص الدورية التي تجرى الآن في دور رعاية العجزة للذين لا تبدو عليهم أعراض المرض لم يبدأ إجراؤها إلا قبل فترة وجيزة، وذلك بعد عدة شهور من تعهد الحكومة بإجرائها.
أما الفحوص التي تجرى على نطاق أوسع للذين لا تبدو عليهم أي أعراض فليس دائما بالأمر المجدي ما لم يتم الإشراف عليها بشكل دقيق، لأن النتائج السلبية لا تعني بالضرورة أن الشخص “ليس معديا”.
فقد تعني هذه النتائج أن الشخص يمر في مراحل الإصابة المبكرة، وأن الفحص لم يتمكن من الاستدلال على كمية كافية من الفيروس ليعود بنتيجة إيجابية.
ويقول خبراء إن منح الناس شهادات بخلوهم من المرض على هذا الأساس قد يشكل خطرا.
“أداة مهمة”
أليس من الأجدى التركيز على الارتقاء ببرنامج “الفحص والتعقب” المستخدم في الوقت الراهن من قبل نظام التأمين الصحي، والذي يحال البعض بموجبه إلى مراكز بعيدة عن أماكن سكنهم لأجل الخضوع للفحص؟
تقول الحكومة في هذا الصدد إن مختبراتها تتعرض لضغوط كبيرة، ولكنها تتعهد بأن لا يحال أي أحد إلى مركز للفحص يبعد عن مكان سكنه بأكثر من 75 ميلا.
ويقول وزير الصحة مات هانكوك إنه من الخطأ بمكان معارضة فكرة الفحوص الشاملة، “لأن هذه الفحوص تشكل أداة مهمة جدا”.
ويقول إن تخصيص مبلغ نصف مليار من الجنيهات الإسترلينية لهذا المشروع لحد الآن يبين أن الحكومة “تدعم كل الحلول الممكنة” وتساند الشركات والجامعات في سعيها لإجراء الفحوص بمفردها.
أما الهدف، فيتلخص في تحويل مشروع “مونشوت” (Moonshot) إلى أشبه ما يكون برحلة أبولو 11، التي مكنت الإنسان من الوصول إلى القمر للمرة الأولى.