بدأ المصورون يظهرون الطعام في صورهم الفوتوغرافية ابتداء من عام 1845، وكانوا وقتها يميلون إلى التقاط صور الطعام من منظور آكله، أي من منظور علوي أفقي، ولكن تدريجيا ومع تطور فن التصوير، بدأ المصورون في دمج رؤيتهم الفنية مع تصوير الطعام، فظهرت لقطات فنية للأطباق، ومنها انبثقت مهنة تنسيق الطعام.
مهمة منسق الطعام هي أن يظهر الطعام بشكل مثالي للتصوير، سواء أكان تصويرا فوتوغرافيا أم فيديو، ويجب على القائم بها معرفة أدواته جيدا للنجاح في هذه المهمة، وهي ليست مهمة سهلة كما يبدو للبعض، كما أن تنسيق الطعام مهنة مهمة في عالم الأغذية.
مهارات منسق الطعام
قليلون في الوطن العربي من يعلمون بشأن مهنة تنسيق الطعام، وعدد أقل من ذلك من يمتهنون هذه المهنة، تحاورنا مع منسقة الطعام “هبة عبد العليم” التي قالت إن دخولها إلى هذا المجال كان بسبب حبها للطهي وكل ما يتعلق به، فعملت كطاهية ومصورة طعام ومطورة وصْفات، واستطاعت أن تكمل حبها لهذا المجال بأن تصبح واحدة من منسقي الطعام القليلين للغاية في مصر.
في البداية تشير هبة عبد العليم، إلى أنه من أجل التفوق في هذه المهنة، يجب على منسق الطعام أن يكون ملما بأمور الطهي، وهذه مهارة مطلوبة من أجل الشعور بكل قطعة من الطعام وكيفية تنسيقها جيدا معا، وإلا سيتحول الأمر إلى مجرد تنسيق قطع من البلاستيك دون إدراك لمعناها أو لكيفية الإحساس بها، مما سينتقص من عمل المنسق بالتأكيد.
تكمل هبة أن من الأفضل أن يكون منسق الطعام ملما بالثقافات الغذائية المختلفة للشعوب، كما أنه يجب أن يتسم بتماسك الأعصاب والصبر والقدرة على إيجاد الحلول لمختلف المشاكل. مثلما حدث معها من قبل عندما كانت تعمل في أحد المطاعم، واقتحم ابن صاحب المطعم مكان التصوير، فأوقع كل أدوات العمل على الأرض محطما إياها، ولولا التحلي بالصبر وتماسك الأعصاب لما استطاعت احتواء الموقف.
هل تنسيق الطعام يخدع العميل؟
أحيانا ما تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو لكيفية استخدام مصوري ومنسقي الطعام لبعض المواد الدخيلة بدلا من الخامات الغذائية، مثل استخدام كريم الحلاقة الرجالي لإعطاء شكل الكريمة المخفوقة، أو استخدام البطاطا المهروسة بدلا من تصوير مثلجات حقيقية. كما أنه أحيانا ما تكون صورة الطعام في دعاية المطعم شهية وجاذبة للعين، ولكن الحقيقة لا تكون مشابهة لتلك الصورة، أو أن المذاق الحقيقي للطعام غير شهي على الإطلاق.
في هذا الصدد تخبرنا هبة بأن على منسق الطعام بعض الالتزامات، في حين أن هناك أمورا أخرى ليست من ضمن مسؤولياته، فمثلا جودة الطعام وطعمه هو أمر لا يهم منسق الطعام وليست مسؤوليته التأكد من ذلك، وإنما هي مهمة الطاهي بالأساس.
أما الأمور التي تقع ضمن مسؤولية منسق الطعام فهي تشكيل الأطباق المطلوب تصويرها بشكل شهي وجاذب للعميل، ولكن في الوقت نفسه غير مسموح بإضافة أي قطعة من الطعام إلى الصورة حتى لو كانت ورقة بقدونس صغيرة إلا إذا كانت موجودة بالطبق الحقيقي، مع ضرورة مطابقة وزن الطعام المقدم للعميل لذلك المحضر للتصوير، وكل ما يظهر في الطبق المصور من حق العميل المطالبة به عند تناول هذا الطبق في المطعم.
أما بخصوص اختلاف شكل الطبق في الصورة عن ذلك المقدم بالمطعم..
فهذا يرجع إلى أن الطبق في الصورة مصمم بشكل مخصوص، فمنسق الطعام يعمل على اختيار قطع طعام مثالية، فالخبز يجب أن يكون منفوخا وعيدان البطاطا يجب أن تكون بالطول ذاته، ومن الممكن قضاء ساعات لاختيار القطع المثالية للتصوير، والصوص المرسوم على الطبق يكون مرسوما باحترافية على الطعام بفرشاة مخصصة لذلك، أما الطبق الذي يقدم بالفعل في المطعم فالطاهي هو الذي يقدمه، وبالتالي يختلف شكل الطبق رغم تطابق المكونات.
وتضيف هبة عبد العليم أن على منسق الطعام الذي يتقن هذه المهنة محاولة استخدام المكونات الغذائية الحقيقية، ولكن في بعض الأحيان يكون هذا الأمر غير ممكن، لأنه من الممكن أن تذوب المثلجات أو تظهر الكريمة المخفوقة ذائبة وغير شهية، وهذا نظرا للوقت الطويل الذي يستغرقه تحضير الطعام للتصوير، بالإضافة إلى الإضاءة التي تساعد في زيادة حرارة المكان، وبالتالي تذيب المكونات بشكل أسرع، لذا أحيانا ما يتم اللجوء لحيل أخرى، ولكن يجب على منسق الطعام إتقان إظهار هذه المكونات المزيفة لتبدو مماثلة لشكل المكونات الحقيقية.
في النهاية تود هبة لو كان العالم العربي مهتما أكثر بهذا المجال، وذلك تسهيلا لمهمة منسق الطعام، لأن الكثيرين من أصحاب الأعمال لا يزالون يعتقدون أن طاهي المطعم سيقدم الطبق ويقوم المصور بتصويره، متناسين الحلقة الواصلة بينهما وهو منسق الطعام، ويجب قدر الإمكان محاولة إظهار أهمية هذه الوظيفة في إضفاء الشكل الشهي الذي يجذب العميل حقا لتناول هذه الوجبة تحديدا.