يعتبر المسلسل الإذاعي “حكم العدالة” أحد أهم الأعمال التي قدمتها إذاعة دمشق منذ تأسيسها عام 1947، من جهة نسب المتابعة العالية التي حققها، مما سمح باستمرار بث حلقاته الأسبوعية لأكثر من 4 عقود.
ويحمل المسلسل الإذاعي طابعا بوليسيا من خلال مشاهد تمثيلية درامية تستمد أحداثها من ملفات القضاء السوري والعالمي، وتتوجه إلى جميع شرائح المجتمع لما يتميز به المسلسل من أسلوب سهل وبسيط يتناسب مع مستمعي الإذاعة من مختلف الأجناس والأعمار، ويحاول التأثير عليهم من خلال القيم والرسائل التوعوية التي يتضمنها، لأجل التحذير من خطورة ارتكاب الجنايات وتبعاتها، وإطلاعهم على الزوايا المختلفة لكل قضية.
5 آلاف حلقة
انطلق حكم العدالة عام 1977 من دائرة التمثيليات في إذاعة دمشق، وهو من إخراج أحمد عنقا، وشارك في حلقاته العديد من النجوم السوريين، خاصة من فناني الجيل الأول، من أمثال هالة حسني، وصالح الحايك، وسليم كلاس، ورفيق سبيعي، وفاديا خطاب وغيرهم.
وفي عام 2007، جرت محاولة لتحويل المسلسل إلى عمل تلفزيوني، لكنه لم يحقق النجاح ذاته، وسرعان ما تم إيقافه بسبب تدني معدلات المشاهدة وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما دفع القائمين عليه لاختيار بث الحلقات الإذاعية على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى منصتي “يوتيوب” و”ساوند كلاود”.
مؤخرا، وبعد غياب دام أكثر من 4 عقود، عاد الفنان السوري دريد لحام إلى إذاعة دمشق، ليشارك في تسجيل إحدى حلقات العمل رفقة عدد من الفنانين الآخرين، مثل سلمى المصري ووفاء موصللي وناهد حلبي وعبد الفتاح مزين وأحمد مللي وهاني شاهين.
وقد توفي مؤلف المسلسل المحامي هائل منيب اليوسفي عام 2012 عن حوالي 77 عاما، وهو من مواليد حلب عام 1935، لكنه عاش جل حياته في دمشق، حيث عمل فيها محاميا وقضى عشرات السنوات يكتب حلقات المسلسل التي وصل عددها إلى حوالي 5 آلاف حلقة.
جرائم تنتهي تحت سقف القضاء
وتركز حلقات المسلسل بشكل عام على جرائم القتل، وغالبا ما تنتهي باكتشاف الفاعل بعد فضح الثغرات التي يقع فيها مرتكبوها، وما يليها من إجراءات قضائية وفقا للقوانين المعمول بها، لذلك تتمحور الشخصيات فيه حول القاتل والضحية والجهات القضائية، وتتسلسل الأحداث ابتداء بالجرم وتستمر بكشف “الرائد هشام” ملابسات الجريمة وتحويل المجرم إلى المساعد جميل، قبل إصدار الحكم في القضية.
لكن، وعلى الرغم من أن “حكم العدالة” تناول كثيرا من القضايا وحاول التطرق إلى أكثر الجرائم والأنماط الجنائية التي كانت منتشرة آنذاك، كالقتل والسرقة، فإن بعض متابعيه يوجهون لمعدّيه بعض الانتقادات، أبرزها إغفال القضايا التي تتعلق بالجرائم ذات الطابع الأخلاقي أو السياسي، والتي لا تقل أهمية عن الجرائم الأخرى.
فقد أظهرت استبانة نشرتها مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية عام 2019، أن نسبة جرائم القتل في حكم العدالة بلغت (82.6%)، في حين أن نسبة القضايا الأخرى التي تناولها العمل وتتعلق بالسرقة وتعاطي المخدرات والاغتصاب تراوحت بين 3% و9%، كما بينت الاستبانة أن نسبة متابعي المسلسل من النساء فاقت نسبة متابعيه من الرجال، وأن المعدل الوسطي لأعمار المتابعين تفوق 28 سنة.
وحصل البرنامج على عدد كبير من الجوائز الذهبية، ففي مهرجان القاهرة عام 1996 حصد 3 جوائز ذهبية تسلمها الممثل علي عبد الكريم، والمفارقة أن الحلقة التي نال عليها الجوائز كانت حلقة مرفوضة من قبل الرقابة.
لا شك أن حكم العدالة ترك بصمة كبيرة في ذاكرة السوريين، وأثبت أن العمل الجيد يمكن أن يستمر سنوات طويلة، حتى مع تراجع دور الإذاعة في حياة الناس بعد التطور الكبير في مجال الاتصالات.