بفضل تطورات الحوسبة وصغر الشرائح الإلكترونية في العقد الماضي، أمكننا اليوم تتبع حركة الأفراد وكذلك حالتهم الصحية آنيا من خلال ارتداء أجهزة حاسوبية صغيرة، لكن جهد العلماء لا يتوقف بحثا عن الجديد، ويبذل الباحثون حاليا قصارى جهدهم لتشغيل تلك الأجهزة الحاسوبية اعتمادا على حرارة الجسم.
تحديات قائمة
تسيطر الساعات الذكية على سوق الإلكترونيات (الأجهزة الإلكترونية) القابلة للارتداء، والذي من المتوقع أن ينمو محققا 53 مليار يورو بحلول عام 2025. إلا أن مشكلة الطاقة وتخزينها يعدان من العقبات الأساسية التي تعوق التقدم في هذا المجال.
وتظل هناك تساؤلات رئيسية من بينها من أين ستستمد هذه الإلكترونيات الطاقة، وأين ستُشحَن بطارياتها، وكم من الوقت يمكن لتلك البطاريات تخزين الطاقة؟
يحاول العديد من الشركات والمنصات في الوقت الحالي إيجاد حلول لهذه الأسئلة المهمة، إذ يقوم العديد منها بتذليل الصعاب التي من شأنها أن تجعل التكنولوجيا القابلة للارتداء ذات كفاءة عالية، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لمستقبل تولد فيه الطاقة من ملابسنا ومن البيئة المحيطة بنا.
متابعة الحالة الصحية أصبحت ممكنة بفضل تطور الحوسبة والشرائح الإلكترونية
أظهرت أبحاث سابقة أنه يمكن الحصول على كميات صغيرة من الطاقة من جسم الإنسان على مدار 8 ساعات عمل يوميا. لكن المواد اللازمة لتوليد تلك الكميات الصغيرة من الطاقة إما باهظة الثمن أو سامة أو غير فعالة.
ويسعى حاليا أحد المشاريع الأوروبية والمسمى “ثيرموتكس” (ThermoTex) إلى استخدام حرارة جسم الإنسان لتشغيل الأجهزة الصغيرة.
فمن المعروف أن الطاقة الحرارية يمكنها أن تتحول إلى طاقة كهربية حال وجود فرق في درجات الحرارة كالذي يوجد بين جلد الشخص ودرجة حرارة البيئة المحيطة.
وفي هذه الحالة تنتقل الإلكترونات من المادة الأكثر سخونة إلى الأكثر برودة مولدة جهدا كهربيا، وتعرف هذه الظاهرة باسم التأثير الكهروحراري.
إلكترونيات حصاد الطاقة من حرارة الجسم ليست على درجة عالية من الكفاءة حاليا (يوريك ألرت)
البوليمرات
يسعى مشروع “ثيرموتكس” إلى تصميم سلاسل طويلة ومتكررة من الجزيئات التي تعرف بالبوليمرات ذات خصائص كهروحرارية أفضل من مثيلاتها المتاحة حاليا. وذلك بتطعيم هذه البوليمرات بمواد أخرى، والتي حسّنت بالفعل كفاءة العملية وولدت شحنة كهربية كافية لتوليد الكهرباء.
إلا أن هناك العديد من المخاوف المتعلقة بمدى أمان هذه المطعّمات، ولاسيما إذا استخدمت في الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء، لذا حدد العلماء 50 مادة مطعمة لدراستها بشكل تفصيلي في مشروع كبير يسمى “هورآتس” (HORATES) ممول من الاتحاد الأوروبي من أجل إنتاج مطعمات عضوية أو مواد كهروحرارية معتمدة على الكربون.
وفي محاولة أخرى قامت “ثيرموتيكس” بشراء بوليمرات تجارية مُوصِلة لتطعيم الحرير. ومن ثم قاموا بتطريز الحرير المطعم آخذا شكل شبكة منقطة. حيث تعمل هذه الشبكة المنقطة من الحرير المطعم كقناة اتصال بين حرارة الجسم والهواء الخارجي. وهو الأمر الذي مكّنهم في النهاية من تشغيل مستشعرات مراقبة لعمليات الجسم الحيوية باستخدام حرارة الجسم.
الشبكة المنقطة للحرير المطعم عملت كقناة اتصال بين الجسم والهواء الخارجي
منصة إمداد الطاقة
على الجانب المقابل، يهدف مشروع آخر يعرف باسم “سمارت تو غو” (Smart2Go) إلى إنشاء منصة ذاتية بحجم راحة اليد تمد الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء بالطاقة، إذ تعتمد هذه المنصة المصنوعة من الرقائق المعدنية على تجميع الطاقة الناتجة عن التأثير الكهروحراري ومن ثم تخزينها أو استخدامها حسب الطلب.
كما تتعاون “سمارت تو غو” مع إحدى شركات المنسوجات وذلك لدمج منصتها مع المواد التي تستطيع حصاد الطاقة. وهو الأمر الذي قد يساعد في تصميم ملابس آمنة بإمكانها أن تضيء في الظلام.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أجهزة حصاد وتوليد الطاقة ليست على درجة عالية من الكفاءة، فحتى الآن لا يمكن لهذه الأجهزة سوى حصاد واحد 1% فقط على أكثر تقدير من الطاقة الحرارية وتخزينها.
إلا أنه وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن العقبة الأكبر أمام الإلكترونيات القابلة للارتداء قد لا تكون تقنية، إذ هناك مسائل أخرى تقتضي إيجاد حلول لها ومنها قدرة الإلكترونيات القابلة للارتداء على جمع البيانات الخاصة بمرتديها وكيفية معالجتها لهذه البيانات وتخزينها. وهو الأمر الذي يثير العديد من المخاوف الأمنية والتي يجب أن تؤخذ على محمل الجد.