موليير الشرق والجبل الضاحك ومنجم الذهب وجوكر الأفلام والنهر المتدفق، جميعها ألقاب أطلقت على الكاتب أبو السعود الإبياري أحد رواد السينما المصرية، والذي أثرى الفن بأكثر من 500 فيلم ومسرحية، كما يعد أيضًا صاحب أشهر “الإفيهات” بالأفلام الكوميدية، بالإضافة لموهبته في كتابة الأغاني والمونولوجات.
عقوبة أول قصيدة
ولد أبو السعود أحمد خليل الإبياري في 9 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1911 في حى باب الشعرية، وكان محبا للقراءة وهو لا يزال صغيرا، وبدأت موهبته في الكتابة مبكرا فكان يكتب الزجل منذ طفولته، ونشرت له أول قصيدة “زجل” في مجلة “الأولاد” في سن مبكرة، لكن والده انزعج من أن يكون ابنه زجالا وقام بضربه “علقة ساخنة”، فقرر أبو السعود عدم نشر أشعاره بعدها.
لكن وبحسب كتاب “أبو السعود الإبياري السينما بتضحك”، فقد تغير الوضع قليلاً بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، حيث سمح له والده بالذهاب للسينما، ليشاهد أول فيلم في حياته للفنان شارلي شابلن، ويعود ليشاهد أفلاما درامية ليشكل وعيه الفني المتنوع بين الكوميدي والتراجيدي، وعلى الرغم من انبهاره بالسينما العالمية، فإن أعماله جاءت مصرية صميمة فعبّر عن حياة المواطن البسيط من خلال وجوده في الشوارع والحارات والمقاهي وقدم فنا صادقا.
مسرحية “بايخة” مع بديعة مصابني
كان أول عمل احترافي لأبو السعود الإبياري مسرحية “أوعى تتكلم”، والتي مثلتها فرقة بديعة مصابني في عام 1933 ولكن في حوار له مع مجلة “النجوم” نشر في عام 1945 وصف المسرحية بالسخيفة أو “البايخة” (بالعامية المصرية)، وقال إن هذا كان رأى الجمهور، وهو ما حفزه على أن يكتب روايات أخرى تجعله يستحق لقب مؤلف مسرحي، وبالفعل ألّف بعدها أكثر من 300 مسرحية بما فيها من أغانٍ.
فيلم “لو كنت غني” مستوحى من أزماته المادية
اضطرت المغنية السورية بديعة مصابني لإلغاء فقرة التمثيل في المسرح الخاص بها، ليجد الإبياري نفسه دون عمل بشكل مفاجئ، فالتقى صديقه وقتها الفنان بشارة وكيم ليشكي له سوء حظه وكيف يعاني من الفقر رغم أن مهنة التأليف تجلب الذهب، ولكنه على العكس يعاني البطالة، وفكر في أحواله لو كان غنيا، وهنا قفزت إلى ذهنه فكرة أول أفلامه “لو كنت غني” والذي قام ببطولته بشارة وكيم وعرض عام 1942 بعد أن تحمست المنتجة آسيا داغر للقصة وحصل على أجر 50 جنيهًا.
التقى بعدها الفنانة عزيزة أمير التي روت له فكرتها “طاقية الإخفاء” ليكتب الفيلم الذي حمل الاسم نفسه وعرض في بداية الأربعينيات أيضا، وتعاون بعدها معها في “الفلوس”. وأصبح اسم أبو السعود الإبياري وقتها هو الحصان الرابح في الكتابة بتلك المرحلة، فتعاون مع أنور وجدي وماري كويني وفريد الأطرش وآسيا وعزيزة أمير.
أساطين الكوميديا المصرية
يعد أبو السعود الإبياري واحدا من أساطين الكوميديا، رغم تجاربه التراجيدية التي استمر في تقديمها 10 سنوات في أربعينيات القرن الماضي، ومنها أفلامه مع فاتن حمامة في بدايتها مثل “اليتيمتين – ست البيت – ظلموني الناس – أخلاق للبيع”.
لكن النجاح الكبير الذي صنع اسمه كان من خلال الكوميديا، ومزج بين كوميديا الهزل والموقف والنكات والقفشات الضاحكة، وهو ما يظهر في أعمال مثل “المليونير” و”فاطمة وماريكا وراشيل” و”سكر هانم” و”عايز اتجوز” و”جنة ونار”، فكان تميمة الحظ لنجاح الكثير من النجوم وقتها، مثل محمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ.
التوأمة مع إسماعيل ياسين
القدرة على كتابة “الإفيهات” بمهارة لدى أبو السعود الإبياري، والتلفظ بها بمهارة وقدرة على الإضحاك بطريقة إسماعيل ياسين، كان سر التجاذب الذي دام لفترة طويلة بين الثنائي الأشهر في السينما والمسرح فكوّنا معا فرقة “إسماعيل ياسين” والتي قدم فيها الإبياري 65 مسرحية.
إلى جانب الأفلام التي قدماها معا، ساهم أبو السعود الإبياري في نجاح إسماعيل ياسين بشكل كبير من خلال تقديم الإفيهات بشكل مكثف في أفلامه سواء السلسلة التي حملت اسمه “إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين” و”إسماعيل ياسين في الجيش”، و”إسماعيل ياسين في البوليس”.
وحتى الأفلام الأخرى مثل “حماتي قنبلة ذرية” و”عفريت عم عبده” و”الحموات الفاتنات” و”إنسان غلبان”، وكذلك “إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة” و”المفتش العام”. وقدم في فيلم “المليونير” محاكاة ساخرة لنابليون بونابرت والإمبراطور الروماني نيرون والشاعر العربي عنترة بن شداد من خلال استعراض “عنبر العقلاء”.
بصمة في الأغاني الشعبية
بجانب الكوميديا، ترك أبو السعود الإبياري بصمة في الغناء الشعبي فكتب “يا نجف بنور” و”يا بتاع التفاح” و”البوسطجية اشتكوا” و”لقيته وهويته”، وأيضا “يا عوزال فلفلوا” و”أنا قلبي دليلي” و”العدس الليلة يوم عيده”، فضلا عن “احنا التلاتة سكر نباته” و”يا رايحين للنبي الغالي”.
رحل الكاتب الكبير أبو السعود الإبياري في 17 مارس/آذار عام 1969 وترك ميراثا سينمائيا ومسرحيا كبيرا. وجسد شخصيته الفنان صلاح عبد الله في مسلسل “أبو ضحكة جنان”، والذي قدم قصة حياة الفنان الكوميدي المصري إسماعيل ياسين عام 2009.