القيم.. بين نزعة المفاهيم وفجوة الممارسة

أرشيف شبكة التأمل الإعلامية

نشر في: الإثنين,23 يناير , 2017 2:24م

آخر تحديث: الإثنين,23 يناير , 2017 2:26م

[vc_row][vc_column][vc_single_image image=”5144″ img_size=”full” alignment=”center” style=”vc_box_circle_2″][vc_custom_heading text=”د.رجب العويسي” font_container=”tag:h4|text_align:center” use_theme_fonts=”yes”][vc_column_text]

القيم مشترك الإنسانية جمعاء ، وأمر جامع بين مختلف الأمم في كل الأزمان والأمكنة، والحديث عن دورها المؤثر في بناء المجتمعات وحياة الناس باعتبارها وسيلة من وسائل نهضته وتقدمه وتطوره وتساميه عن غيره من الكائنات، لا يختلف عليها اثنان، فلا توجد أي مجموعة إنسانية لا ترغب بالمحافظة والإبقاء على قيم مجتمعها الإيجابية مهما اختلف في منطلقاتها الأيديولوجية أو العقائدية أو غيرها، هذه القيمة المضافة التي تبلغها القيم هي المرشحة اليوم في إدارة محور التغيير الإنساني، وهي المنطلق لبناء مسارات الذوق والوعي والمسؤولية، والطريق الذي يجب أن تسلكه الإنسانية لبلوغ مستويات المجد وقوة العطاء، والسبيل لتحقيق كرامه الإنسان وحصوله على حقوقه وادراكه لواجباته، إنها الطريق لدخول الحياة من أوسع ابوابها، ونهضة التنمية من أرقى مداخلها، وبروز التقدم في سلوك الإنسان وأخلاقه وقناعاته ومبادئه وثقافته وطريقة فهمه لنفسه وإدراكه لمقتضيات التطوير، وقدرته على الوفاء بحقه لوطنه وأمته والتزامه منهج الصدق والموضوعية والأمانة والاخلاص؛ غير أن تحقق هذه المنطلقات التي وجدت القيم من أجلها تعاني اليوم من إشكاليات متعددة تتعلق بما يسمى باغتراب القيم أو أزمة القيم ، وفي رأيي الشخصي هي أزمة إنسان ناتجه عن تشدده في قراءة القيم وانسلاخه من مضمونها أو محاولته الخروج بجلدته عن جلبابها، هذا الاغتراب في القيم مرده النزعة المفاهيمية التي اتجهت نحو التعقيد في قراءة القيم وسط البحث عن المثالية ، متخذة من منظور الحلال والحرام طريقها في التفسير وفهم مقتضيات النصوص والتشريعات، بالإضافة إلى فجوة الممارسة الناتجة عن ضعف مستويات التقارب بين التنظير القيمي والممارسة، وهو ما أوجد حالة من اللامبالاة والتناقض في التطبيق من خلال شخصنة القيم في سلوك أفراد أو فئات معينة، وكأنها هي من تمتلك زمام القيم ومن وجب عليها التطبيق دون غيرها، هذه الاشكاليات تتطلب مراجعة جديدة لأنموذج القيم الحضاري الإنساني، والمزيد من التوضيح في قراءة القيم كمنظومة حياة وطريقة ممارستها في الواقع، عبر البحث في مشترك القيم كطريق لتعزيز حوار الإنسان مع نفسه ومع الآخر، وبناء مساحات أوسع لاندماج القيم في ممارساته اليومية ومنطلقاته الفكرية بحيث تشكل مدخله في قراءة العالم من حوله وفهم مسؤولياته وإدراك واجباته، وقدرتها على إعادة صياغة منحى تفكيره، وبناء اتجاهات إيجابية لديه نحو نفسه والآخر بكل معانيه، في ظل ذوق الاستمتاع بها، وحسن الفهم لطبيعتها، ودقة الالتزام بمحدداتها، وحس التعامل مع مفرداتها، ونقلها من مجرد التزام أو تقنين لسلوك الفرد وضبطه، إلى كونها فرصة إيجابية يجد فيها الفرد المتعة والفائدة والترويح وإصلاح الذات وتفعيل أنماط الحياة اليومية التي يعيشها ، وهنا تأتي أهمية البحث في طريقة إيصال هذه القيم إلى حياة الناس، فمع القناعة باختلاف بعض المصطلحات والمفاهيم بين البيئات الثقافية المختلفة، إلا أنه اختلاف في آلية التفسير وطريقة الفعل، وإلا فإن القيمة في الأساس تحمل معان الايجابية والتفاؤل والخير للإنسان وسعادة الأوطان والمحافظة على هويته وفطرته السليمة وذوقه، وبما يضمن مراجعة جادّة لأساليب تعلم القيم وتعليمها، ونمط التعامل معها في سلوك الفرد والخطاب التعليمي والأبوي اليومي وموقعها في الخطاب الرسمي الوطني وما تحمله في ذاتها من سلاسة ووضوح وابتكارية وتوافقية، وارتباطها بمفاهيم إيجابية معتدلة قادرة على الدخول في العمق الإنساني والتأثير على قناعاته واتجاهاته، وبناء مسؤولية الضمير لديه، واستيعابها للسلوك البشري وإدارتها لمستويات التفكير، وبالتالي تحويل سياق ، بطريقة منهجية وممارسة معقولة يترجمها في سلوكه برغبة ذاتية وقناعة شخصية ومنهجية واضحة ومبادئ راقية ورقابة والتزام واستدامة لا تتأثر بالظروف والأحوال، واستراتيجيات مبتكرة تقوم على الترويج للمضمون الأخلاقي الذي يغلف الذاكرة القيمية ويعكس مبادئها وأخلاقياتها في صبغته الإنسانية أو كينونته الطبيعية.

إن القيم بذلك معادلة متزنة بين أمرين، يرتبط الأول بوضوح آليات وأدوات ومفاهيم القيم وقدرتها على الدخول في عمق السلوك الانساني، وتناغمها مع مقتضيات الممارسة البشرية عن رغبة واقتناع وصدق شعور بالمسؤولية نحوها وإدراكا منه، بأنها ما وجدت إلا لخير الإنسان وسعادته، وترقية فرص التجديد والتأمل والايجابية في حياته، لمزيد من العطاء البشري والثراء الفكري والتنمية الإنسانية يعمر الأرض ويبني الحياة أملا بقادم جديد، فإن قراءة لأحداث البشرية ومواقفها تؤكد أهمية بروز القيم كإطار يقوم اعوجاها ويبني سلوكها ويصقل جاهزيتها لترفرف على العالم المودة ويسود بلدانه الاستقرار والنماء، أما الأمر الآخر فيرتبط بصناعة القدوات وبناء نماذج إيجابية في الحياة، وفي كل قطاعات التنمية الانسانية في الفكر والثقافة والتعليم والاقتصاد والفن والرياضة، وغيرها، بحيث نجد القيم سلوك قائد المركبة والطبيب والمعلم وسائق التاكسي والمرشد السياحي والبائع والمشتري وولي الأمر والمسؤول والموظف ولاعب الكره وصاحب المشروع وفي كل شيء، عندها تصبح القيم صناعة جديدة للحياة، ومنطلق واع لإدارتها وفق نواميس الفضيلة، تمتزج خلالها روح القيم فتصادف صدق الأداء وضمير المسؤولية وحب الأوطان وصدق المنهج والبعد عن الأنا وحب الآخر؛ بعدها لن تكون لأزمة القيم وغربتها أي حضور في واقع حياة الإنسان ، وإن زمناً تنعم فيه الإنسانية بمستويات من الاتصال والتواصل والتقنية، يمكن أن يتيح لها فرص أكبر لنمو القيم ونهضتها، وما أحوج العالم اليوم إلى كلمة سواء لبناء ميثاق أخلاقي يضمن حقوق الأفراد والشعوب الفكرية والثقافية والاجتماعية، ويسهم في تأطير منهجي تحتوي خلاله الأخلاق والقيم الفضاءات الالكترونية، وتضبط مسار عمل الاتفاقات والعلاقات الدولية، وتوجه خلاله جهود التنمية والتطوير إلى تعميق روح الوحدة والمشترك والوئام الإنساني.

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

تابعنا: