يصنّف بطرس الأول (Peter I) والمعروف أيضا ببطرس الأكبر كواحد من أبرز قياصرة روسيا حيث قاد الأخير ما بين أواخر القرن السابع عشر والربع الأول من القرن الثامن عشر جملة من الإصلاحات قطعت مع الماضي الروسي وحدّت من سلطة الكنيسة الأرثوذكسية وقوات الستريلتسي (Streltsy)، وساهمت في نقل البلاد من العصور الوسطى نحو العصر الحديث.
وتزامنا مع ذلك، كرّس بطرس الأكبر جزءا هاما من ميزانية روسيا لبناء قوة عسكرية بحرية حديثة وأمر بتحديث الجيش الروسي وهو ما خوّل له تحقيق جملة من الانتصارات العسكرية كانت أبرزها ضد العثمانيين والسويديين. فضلا عن ذلك، أسس بطرس الأول مدينة سانت بطرسبرغ ذات الموقع الاستراتيجي والمطلة على بحر البلطيق وجعل منها عاصمة لروسيا بدلا من موسكو.
وفي الأثناء، تلقى وريث العرش ألكسيي تعليما عصريا حيث درس الأخير الرياضيات واللغات وأتقن العديد منها، كما أوكلت إليه بعض المهمات العسكرية البسيطة.
لكن في حدود سنة 1711، توترت العلاقة بشكل سريع بين وريث العرش ووالده الإمبراطور حيث أجبر الأخير ابنه على الزواج من الأميرة الألمانية صوفي شارلوت (Sophie Charlotte). وتدريجيا ، وجدت شارلوت نفسها في عزلة عن زوجها والذي اتجه لتجاهلها. وسنة 1715، فارقت شارلوت الحياة بسبب تبعات الولادة وسط عدم مبالاة من زوجها الأمير ألكسيي والذي كان مشغولا بعشيقته، المنحدرة من طبقة الفلاحين، أفروسينا فيدوروفا (Afrosina Fedorova).
أيضا، رفض ألكسيي حضور مراسم الزواج الثاني لأبيه بطرس واتجه لرفض تنفيذ أوامر وطلبات والده وتعلله بحالته الصحية السيئة، وأمام هذا الوضع هدد بطرس الأكبر ابنه سنة 1715 بحرمانه من العرش ومنحه لشخص آخر بدلا منه مؤكدا على الطابع الضعيف لأكسيي. وكرد على ذلك، أعلن وريث العرش ألكسيي لوالده عن عدم رغبته في حكم روسيا مفضلا العيش بعيدا عن العاصمة رفقة عشيقته.
خلال الفترة التالية، تخوّف بطرس الأكبر من محاولة انقلابية تقودها الأوساط الأرثوذكسية بالبلاد ويعتلي على إثرها ابنه العرش بدلا منه. وبسبب ذلك، خيّر بطرس ابنه ألكسيي بين تولي منصب وريث العرش أو الابتعاد عن السياسة لمواصلة دراسته بأحد المعابد.
وللوهلة الأولى، وافق ألكسيي على أن يواصل دراسته ليصبح راهبا قبل أن يفر لاحقا رفقة عشيقته نحو فيينا ليطلب الحماية من شارل السادس (Charles VI) امبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
تزامنا مع ذلك، وافق شارل السادس على توفير الحماية لألكسيي ليقدم على نقله نحو أحد القصور قرب نابولي (Naples). لكن ولسوء حظ ألكسيي، عثر عدد من العملاء الروس على مكانه لينقلوا إليه لاحقا رسالة من والده بطرس الأكبر أقسم من خلالها بالصفح عنه وعدم المساس بحياته في حال عودته لروسيا.
وفي الأثناء، وقع ألكسيي في الفخ ليعود لروسيا قرب والده طمعا في العيش بسلام بإحدى القرى رفقة عشيقته. ومع وصوله لقصر والده، جثم ألكسيي على ركبتيه أمام بطرس الأكبر طالبا الصفح. وبدل الوفاء بوعده، جرّد بطرس الأكبر ابنه من منصب وريث العرش قبل أن يطالبه بالكشف عن أسماء المتآمرين معه.
وعلى إثر اعترافات ألكسيي، اعتقلت السلطات الروسية عشرات من المقربين من وريث العرش ليخضعوا لعمليات تعذيب بالسجون قبل أن يعدموا بطرق فظيعة تراوحت بين تقطيع الأطراف والخازوق.
لاحقا، آمن بطرس الأكبر بضرورة القضاء على ابنه والذي أصبح تهديدا على إصلاحاته بروسيا فأمر باعتقاله وتعذيبه. مطلع شهر تموز/يوليو سنة 1718، خضع ألكسيي لجولة تعذيب تلقى خلالها 25 ضربة بسوط الكنوت (Knout) الروسي والذي كان سوطا قادرا على فصل الجلد عن اللحم. ويوم 7 من شهر تموز/يوليو سنة 1718، فارق ألكسيي الحياة عن عمر يناهز 28 سنة تحت وطأة التعذيب بعد أن أدلى بشهادة أعلن من خلالها عن تواطئه ضد أبيه.
وبسبب إعدامه لابنه ألكسيي، عانت روسيا لاحقا من مشكلة في العرش حيث توفي بطرس الأكبر دون أن يترك وريث عرش من جنس الذكور لتحصل بناء على ذلك زوجته كاثرين الأولى (Catherine I) على مقاليد السلطة إلى حدود سنة 1727 وليخلفها عقب وفاتها بطرس الثاني (Peter II)، البالغ من العمر 11 سنة، حفيد بطرس الأكبر وابن ابنه ألكسيي من زوجته الألمانية شارلوت.