من أجمل متع الحياة التي لا تتكرر لدى فايزة محمد، مشاهدة السلاحف وهي تحفر في الرمال بطريقة مدهشة، ومراقبة صغارها وهي تكسر البيض لتطل برأسها على الحياة لأول مرة.
تحرص فايزة -وهي كاتبة ومديرة تحرير صحيفة شؤون عمانية- على زيارة محمية السلاحف في رأس الجنز بولاية صور شرقي سلطنة عمان، كلما سنحت لها الفرصة.
وقد حظيت بفرصة الاقتراب من السلاحف في أكثر من موقع ومناسبة، مبدية إعجابها الشديد بالحرص الكبير الذي توليه المحمية والقائمون عليها، حيث تتيح للزائر فرصة المشاهدة بطريقة هادئة وميسرة دون إرباك أو إزعاج للسلاحف، مع التوعية المسبقة بتعليمات تحفظ سلامة هذه الكائنات.
وتتمتع السلطنة بوجود شواطئ ممتدة هادئة وجاذبة؛ خصوصا الواقعة بين محافظتي الوسطى وجنوب الشرقية المطلة على بحر العرب المتصل ببحر عمان، في مشهد طبيعي وبيئة خلابة آسرة، تجد فيها السلاحف مرتعا لها، فهي لا تكتفي بحدود المحمية البالغة 120 كيلومترا مربعا، إنما تمتد إلى سواحل أخرى، كالأشخرة وما جاورها.
ولعل اعتدال الطقس صيفا بدرجة حرارة تتراوح بين 25 و36 درجة مئوية، جعل من شواطئها موقعا مناسبا لتكاثر السلاحف وتعشيشها.
رحلات خاصة
ويسير كثير من الخليجين والعرب في رحلات خاصة لمتابعة السلاحف وهي تغطس في بحر عمان، وتحث الخطى قبالة الشواطئ لتتخذ لها مقرا ومسكنا في المحمية، في حين يفضل كثيرون متابعتها لحظة الشروق، وتبقى فترة المساء حتى الفجر واحدة من أمتع اللحظات التي يعيشها السائح وهو يرقب حركتها ويقتنص لحظاتها الخاصة زحفا إلى موقع تعشيشها.
هذه المتعة تكتمل أكثر مع السلاحف الخضراء النادرة التي تتوافر بأعداد هائلة داخل المحمية مثلما أشار مدير عام المحمية فيجي هاندا، مؤكدا على أنها المحمية الكبرى في العالم التي تحتضن ما يقارب 13 ألفًا من السلاحف المهددة بالانقراض، وتمتزج معها متعة مشاهدة الدلافين التي يحدث أن يجتمعا معا على مقربة من المحمية.
وبحسب إحصائية وزارة السياحة العمانية، فإن زوار المحمية في العام المنصرم 2018 بلغوا 48,700 زائرًا، منهم أكثر من 37 ألف سائح من خارج السلطنة.
ويجرّم القانون العماني صيد السلاحف وجمع بيضها أو العبث بأماكن وجودها وتكاثرها، ويفرض عقوبات رادعة تصل إلى السجن لمدة شهرين وغرامة لا تتجاوز ألفي ريال عماني (5200 دولار)، وتضاعف العقوبة عند تكرارها.
هذه الرقابة القانونية والبيئية جعلت من السلطنة قبلة آمنة ودافئة للسلاحف التي تعبر البحار والمحيطات من مختلف بقاع العالم لتصل إليها، كما جعلها أرضا خصبة للاستقطاب السياحي وتوافد آلاف السائحين لمتابعة تحركاتها وخروجها فجرًا وهي تضع بيضها.
لا للتصوير ليلًا
ولتوفير بيئة حاضنة ومثالية، فإن السلطنة تحظر جميع الممارسات التي تهدد أمن وحياة السلاحف، من بينها الاتجار بلحومها وأصدافها أو مضايقتها لحظة تعشيشها، ووضعت ضوابط وقوانين تنظم زيارة المحمية وتحد من الإضرار بها، كرمي المخلفات أو قيادة المركبات بالقرب من مواقع بيضها ومجال حركتها على اليابسة.
بعض هذه الضوابط تنغص على السائح بهجته وأنسه، وتمنعه من توثيق اللحظة التي تظل عالقة في ذاكرته، خصوصًا أثناء مراقبتها وهي تخرج إلى الشاطئ وتضع بيضها، إذ يمنع منعا باتا وصارما تصويرها ليلا لما للإضاءة المنبعثة من عدسات الكاميرا من آثار على حياتها.
ويوجد في المحمية في الوقت الراهن ما يزيد على ثمانين ألف سلحفاة، مثلما يشير مدير العمليات بالمحمية سعيد العريمي، في حين يصل إليها كل عام من السلاحف الخضراء المعششة من البحر الأحمر والشواطئ الصومالية والخليج العربي ما يتراوح بين 6 آلاف و13 ألف سلحفاة مهاجرة، إضافة إلى وجود خمسة أنواع نادرة من السلاحف البحرية مثل السلحفاة الرمانية والسلحفاة الشرشاف وسلحفاة ريدلي الزيتونية والسلحفاة النملة والسلحفاة الخضراء.
تجدر الإشارة إلى أن المحمية أنشئت عام 1996 وتبلغ مساحتها 120 كيلومترًا مربعًا، وتطل على شواطئ تمتد نحو 45 كيلومترًا، وتحظى باهتمام حكومي بالغ وعناية خاصة من سلطان عمان قابوس بن سعيد.