الحج شعيرة تهفو لها نفوس المسلمين في كل بقاع الأرض، ويعتبرها الماليزيون رحلة العمر الساحرة التي تتوق لها أرواحهم وقلوبهم، وكانوا قديمًا ينفقون مدخراتهم ويبيعون ممتلكاتهم لأجل أداء هذه الشعيرة.
ومع بداية سنوات استقلال البلاد عن الاستعمار البريطاني الذي استمر حتى 1957، عملت السلطات على تحقيق رغبة المواطنين بأداء مناسك الحج، فكانت فكرة صندوق الحج، أو ما يعرف باللغة المحلية “تابونغ حاجي”.
صندوق استثماري للحج
تعود فكرة المشروع إلى عام 1959، وكان صاحبها البروفيسور في علم الاقتصاد أنكو عبد الرحمن، الذي دعا إلى تأسيس صندوق استثماري خاص بالحج.
وتم البدء بالمشروع عام 1963 بموافقة ودعم من حكومة ماليزيا، وتقوم فكرة المشروع على ادخار أموال الراغبين بأداء فريضة الحج، وتشغيلها بمشاريع ربحية متعددة، طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وحظيت المؤسسة بموافقة شيخ الأزهر الأسبق آنذاك، الإمام الشيخ محمود شلتوت إبان زيارته لماليزيا عام 1962، إذ قال عنها “إنها خطة مقبولة شرعًا وسيجني منها المسلمون نفعا كثيرا”، وطالب بتنفيذها فورًا.
التنظيم والترتيب
ويقول خبير الاقتصاد الإسلامي الدكتور فؤاد يوه في حديثه للجزيرة نت، إن جميع سكان ماليزيا من المسلمين لهم حساب خاص في صندوق الحج “تابونغ حاجي” لحرصهم على تلك العبادة.
وقدمت ماليزيا نموذجًا يحتذى به في تنظيم رحلات الحج، وتعد بعثاتها -وفقًا لكثير من المراقبين والكتاب- من أكثر البعثات تنظيمًا وترتيبًا في الديار المقدسة.
ويبدأ المواطن الماليزي المسلم الاستثمار في مؤسسة صندوق الحج منذ الولادة، فالوالدان يستطيعان الحصول للمولود الجديد على رقم بإيداع مبلغ بسيط (لا يتجاوز 2.5 دولار)، وعندما يصل المبلغ إلى نحو خمسمئة دولار يستطيع الشخص التسجيل في بعثات الحج وتحدد له السنة التي سيؤدي بها الفريضة.
ويوضح الدكتور فؤاد أن الحج قديمًا كان يقتصر على كبار السن، أما الآن فباستطاعة الماليزيين أداء الفريضة بعمر صغير يكونون فيه مهيئين جسديًا للقيام بمناسكها.
نجاح الفكرة
ومنذ تأسيسها وعلى مر السنوات اكتسبت مؤسسة صندوق الحج ثقة الماليزيين، وتمتعت بالمصداقية العالية لدى المواطنين والجهات الرسمية أيضا داخل البلاد وخارجها.
كما أن ربط رحلة الحج بالاستثمار وإسهام الأرباح في عملية خفض النفقات، وتوفير أجواء حج مثالية، كلها أسباب أدت إلى استمرار عمل المؤسسة ونجاحها.
يضاف إلى ذلك، إسهام الدولة في دعم الصندوق “تابونغ حاجي”، وذلك بتسهيل الإجراءات الرسمية وتوفير الخدمات الصحية للحجاج، وتأمين المواصلات لهم.
تدريب الحجاج
يحظى موسم الحج باهتمام كبير لدى الماليزيين ويعتبرونه احتفالية وطنية، حيث يبدأ التحضير له مبكرًا، فمع انتهاء الموسم الحالي يبدأ الترتيب للموسم المقبل مباشرة، من خلال جمع التقارير والمعلومات من موظفي البعثة، للبدء بعمليات التقييم ورصد الأخطاء لتجنبها في المواسم المقبلة.
كما تبدأ التدريبات للحج من شهر المحرم، وتعقد الدورات لمن رشحوا للحج، وتكون مدة الدورة ساعتين أسبوعيًا، ومع اقتراب موسم الحج يبدأ التدريب على المناسك بالمساجد.
وقبل الحج بأيام تقام مجسمات للكعبة والمشاعر، ويرتدي الحجاج المرشحون ملابس الإحرام للتدريب بشكل عملي، ويرافقهم بذلك المرشدون ومشرفون من مؤسسة صندوق الحج.
ويشير الدكتور فؤاد في هذا السياق إلى أن حصة ماليزيا من عدد الحجاج تبلغ ثلاثين ألفًا، توفر لهم مؤسسة الحج ستة آلاف موظف أي أن كل خمسة أو ستة أشخاص يتوفر لهم موظف يقوم بإرشادهم والإشراف على الخدمات المقدمة لهم.
وعند عودة الحجاج يستقبلهم الصندوق ويقيم لهم احتفالًا كبيرًا ويطلب منهم وضع تقييم للرحلة.
عروض الحج
كما يقدم الصندوق عروضا عدة لرحلة الحج كاملة، تبدأ تكاليفها من نحو 2.3 ألف دولار وصولًا إلى باقة كبار الشخصيات (في آي بي) التي قد تصل نحو 23 ألف دولار.
يشار إلى أن صندوق الحج يقدم دورات ريادية في تنظيم عملية الحج، لبعض الدول الإسلامية، مثل تركيا وإيران.