يفاخر الماليزيون بفن الباتيك، ويعتبرونه إرثا ثقافيا عرفته بلادهم منذ القدم وتناقلته الأجيال جيلًا بعد جيل، وهو من أهم الصناعات التقليدية التي تتميز بها دول الأرخبيل الملايوي، وفي مقدمتها ماليزيا وإندونيسيا.
والباتيك أحد الفنون التي تستخدم في الرسم على القماش يدويًا بواسطة الشمع، وتعني الكلمة باللغة الجاوية الرسم التنقيطي أو الوشم.
عرف هذا النوع من الفنون بدول الأرخبيل، وكانت إندونيسيا الدولة المتصدرة في صناعته، ثم انتقل إلى ماليزيا في القرن 13 التي طورت هذا الفن، وأصبح لها مدرسة خاصة تختلف عن نظيرتها الإندونيسية.
باتيك وباتيك
يفضل الماليزيون الألوان المشرقة والصارخة، وفي إندونيسيا يفضلون الألوان الترابية الغنية والعميقة، ومن حيث التصاميم فيفضل الماليزيون الرسومات الكبيرة كالزهور وأغصان النباتات، ومصدرها ولايات كلينتان وباهنغ وترنغانو.
كما يتجه الماليزيون في رسومات هذا الفن إلى الأشكال الهندسية، ويحاولون الابتعاد عن الرسومات الحيوانية لتحفظات دينية. أما في إندونيسيا فيتجهون إلى الأشكال الدقيقة ذات التفاصيل، وتظهر رسومات الحيوانات والأشخاص في أعمالهم الفنية لتأثرها بالثقافة الهندوسية قبل دخول الإسلام بلادهم.
طريقة الصنع
تنفذ أعمال الباتيك على أقمشة بيضاء من الحرير أو القطن، وتوضح مدرسة الفنون ريهان أن الأقمشة يتم شدها وتثبيتها بواسطة دبابيس معدنية، بعدها تدهن بالماء بواسطة الفرشاة ليسهل العمل عليها.
وتتابع ريهان في حديثها: بعد ذلك يرسم الإسكيتش المراد تنفيذه بواسطة قلم الرصاص، ويعاد رسم هذه الخطوط بواسطة الشمع السائل وهو خليط من شمع العسل وشمع البرافين، وتستخدم أداة خاصة ذات وجه مثل الإبرة ولها حجرة صغيرة يوضع الشمع بداخلها، تنتهي بمقبض خشبي حتى لا تحترق اليد بالشمع الحار.
المرحلة التالية تبدأ عندما يبرد الشمع على الأقمشة، يتم تلوين الرسومات بالألوان المراد تنفيذها على شكل طبقات، إلى حين الوصول للنتيجة المرادة، بعد ذلك يدهن القماش بالشمع حتى تثبت الألوان ولا تسيح، ويتم كشط الشمع والتخلص منه بواسطة الحرارة، وأخيرًا يغسل القماش ويصبح جاهزًا للاستعمال.
استخدامات متعددة
يستخدم الباتيك في صناعة ملابس النساء والرجال على حد سواء، ومؤخرًا أصبح يظهر على الحقائب والشراشف والستائر، وهناك نوعان للباتيك يتوفران في الأسواق الماليزية.
التوليس، وهو النوع التقليدي والذي يرسم بشكل يدوي ويعتبر غالي الثمن فقد تصل القطعة منه لآلاف الدولارات، وأما النوع الثاني فهو “الكاب” الذي يطبع بواسطة قوالب وتعتبر أسعاره معتدلة وفي متناول الجميع.
مصنوع من الحُب
حرصت السلطات المعنية على إقامة ورش عمل في جميع أنحاء البلاد لتعليم الناس هذا النوع من الفنون التقليدية المتوارثة، كما أنه تجارة سياحية مربحة.
وتعقد بعض الدورات التعليمية للسياح كنوع من المتعة، كما تنظم المدارس رحلات للطلاب وتقوم بتدريبهم على رسم الباتيك.
وهناك ما يسمى “باتيك كاسه” ويعني “الباتيك المصنوع من الحُب” ومن يصنع هذه القطع أشخاص يقبعون بالسجون ويتلقون دروسا في الباتيك كنوع من التهذيب النفسي ولتكون وسيلة لكسب العيش لديهم، وتباع هذه القطع بالأسواق تحت مبادرات شعارها “سامحوا أولئك الذين اخطؤوا”.
موروث ثقافي
يحتفظ المتحف الوطني في ماليزيا بقطع قديمة ونادرة من الباتيك، وقد أدرجت اليونسكو فن الباتيك ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي، وهناك العديد من الطقوس التقليدية والغريبة عند الجاويين حيث يقومون برمي الباتيك في فوهة البركان، أما في منطقة لابوان شرقي البلاد فيجتمع الناس عند البحر ويرمون الباتيك لقذف همومهم بعيدًا.
وفي ولاية صباح يقوم المدرسون بارتداء الباتيك يوم الخميس تقديرًا منهم لهذا التراث ومحاولة للحفاظ عليه، وعند دخول البرلمان في ماليزيا يشترط ارتداء الباتيك أو اللباس الرسمي.
التسويق دوليًا
وشهدت السنوات الأخيرة محاولات لتطوير الباتيك من حيث الرسومات والألوان، وانقسم الماليزيون بين مشجع لتلك الفكرة ومحاولة تسويقه دوليا، ومن هؤلاء الفنان أمير حارث كشم والذي حاز على جائزة (piala seriously Endon kl fashion week) فقد رسم على الباتيك مجموعته السوبر هيرو كسوبرمان وباتمان، أما المعارضون فيفضلون أن يحتفظ الباتيك بأصالته وروحه.
