يمكن القول بأريحية إن ثورة فنية طالت السينما خلال العقد الأخير كما لم يحدث من قبل، إذ انفتح الكثير من الأبواب على مصراعيها أمام أفكار وفرص ومحاولات كلها جديدة ومؤثرة، ما نجم عنه تغير شكل صناعة السينما للأبد.
منصات البث
على الرغم كثرة منصات البث المختلفة حاليًا والمساحة الكبرى التي تحتلها من المشهد السينمائي، ومع كل ما لنتفليكس تحديدا من شهرة ومكانة، فإنها لم تبدأ البث إلا في عام 2010. وعلى الرغم أيضًا من بدئها بتقديم المسلسلات والبرامج الأصلية على الفور، فإنها لم تنتج فيلمًا أصليًا خاصًا بها حتى 2015 وهو “وحوش بلا وطن Beasts of No Nation”.
منذ ذلك الحين، غدت نتفليكس أحد أهم منصات البث، وصاحبة بعض من أفضل الإصدارات بالعقد -مثل “روما Roma”، “قصة زواج Marriage Story “، و”الأيرلندي The Irishman”- حتى ولو كانت أحيانًا تنتصر للكم على الكيف، كذلك قدمت منصة “أمازون” بعض الأعمال المهمة، ومنها: “مانشستر على البحر Manchester by the Sea “، و”الحرب الباردة Cold War”، و”لم تكن هنا حقًا أبدًا You Were Never Really Here”.
الواقع الافتراضي
الواقع الافتراضي، هي تقنية حديثة انتشرت بالسنوات الأخيرة حتى تكاد تحل محل السينما العادية، خاصة وأنها مجال يتطور سريعا ولديه الكثير ليقدمه لصناعة السينما، وهي معنية بإتاحة الفرصة للمشاهد كي يحاكي بيئة العمل الحقيقية كما لو كانت جزءًا مما يراه.
وقد تطورت تلك التقنيات للدرجة التي جعلت من الممكن التحكم بملامح الأبطال ومساعدتهم في أن يظهروا أصغر عمرًا مثلما جرى أخيرًا بأفلام مثل “الإيرلندي”، و”تيرميناتور: المصير الأسود Terminator: Dark Fate”، و”جيميني مان Gemini Man”.
تنوع عرقي
أخيرًا امتلك القائمون على السينما من الذكاء ما جعلهم يخرجون من الصندوق ويسعون لتنفيذ الأعمال بالطريقة التي تقتضيها الحال لا بالطرق العنصرية الشائعة المعتادة، ما نجم عنه تنوع فريد وأصيل.
فبعد أن اعتدنا مشاهدة أفلام عن الحضارة المصرية القديمة، أبطالها أميركيون لا يحملون أي ملامح شرقية كما جرى بفيلم “سفر الخروج: الآلهة والملوك Exodus: Gods and Kings” الذي أسندت بطولته لكريستيان بيل، وهو ما برره مخرج العمل وقتها بأن الفيلم لو جاء من أبطال نجوم عرب لن يقبل أحد تمويله، لحسن الحظ بدأت تلك الظاهرة في التراجع.
فديزني مثلًا قررت إسناد بطولة نسخة اللايف-أكشن من فيلم “مولان” إلى ممثلة صينية، فيما اختارت لشخصية “موانا” ملامح من أصل بولينيزي، كذلك شاهدنا فيلم “بلاك بانثر” أول فيلم أبطال خارقين بطله أسمر البشرة نظرًا لأصوله الأفريقية، أما التنوع العرقي الأكبر فجاء من نصيب فيلم “علاء الدين” الذي صدر هذا العام وجاء أبطاله من جنسيات متعددة.
ديزني
سيذكر التاريخ أن هذا العقد هو عقد ديزني دون منازع، حيث انتشرت بكل الطرق الممكنة والناجحة وجنت مليارات الدولارات، بداية من الرسوم المتحركة التي تحترفها والتي تطورت من عام لآخر سواء من حيث التكنيك أو الأفكار، مرورا بالنبش في دفاترها القديمة وإعادة تقديم الرسوم المتحركة في ثوب “لايف-أكشن” بأفضل التقنيات.
هذا، بالإضافة لما قدمته من أفلام عالم مارفل السينمائي، والأجزاء الجديدة من سلسلة “حرب النجوم”، واستحواذها على شركة فوكس، وأخيرًا دخولها عالم منصات البث عبر خدمة “ديزني بلس”.
سيطرة الأبطال الخارقين
إن كانت أفلام “سوبرمان” و”باتمان” وغيرهما قد حظيت بتاريخ ثري على مدار أجيال مضت، فإن ذلك لا ينفي قدر التطور الذي نجحت فيه صناعة الأبطال الخارقين خاصة على يد عالم مارفل السينمائي الذي اكتسح دور العرض.
ساعد في ذلك التقنيات الحديثة والمؤثرات البصرية والصوتية من جهة، ومن جهة أخرى التمويل الضخم الذي يصب على تلك الأعمال.
يذكر أن التطور لم يطل الصناعة فقط بل وطبيعة المواضيع المختارة، ونوعية الأبطال أيضًا حتى بتنا نرى بطلات خارقات من النساء، مما يبشر بتغيير أساسيات الصناعة التي تقوم على الأبطال الذكور.
النساء قادمات
مثلما زحفت النساء على عالم الأبطال الخارقين، حدث المثل بصناعة السينما ككل سواء الكتابة أو الإخراج أو التمثيل، وبات الكثير من الأعمال قائما في أساسه على النساء وقضاياهن، فشاهدنا أفلامًا مثل “ليدي بيرد Lady Bird”، و”وجدة Wadjd”، و”لك هذه الرقصة Take This Waltz”، وكذلك “موستانغ Mustang”، و”وندر وومان Wonder Woman”.
وهو ما ازدادت وتيرته بالتزامن مع ظهور حركتي #MeToo و #Time’s Up، كما لو كانت هوليود تحاول تكفير ذنوبها تجاه النساء.
الرعب يعود من الموت
جاءت أفلام الرعب بالعقد الأول من القرن الواحد والعشرين محبطة وسيئة، وأسهم النجاح التجاري لأفلام مثل “Saw” بانتشار أفلام التعذيب الدموية التي أتت مثيرة للاشمئزاز أكثر منها للرعب.
ومع بدايات هذا العقد حاول صناع أفلام الرعب استثمار نجاح أفلام قديمة بتقديم أجزاًء جديدة منها، قبل أن تظهر بالسنوات الأخيرة أفلام رعب ذات أفكار جديدة ومثيرة، والأهم أنها تتمتع بحبكات درامية قوية ومشوقة منها “غيت آوت Get Out “، و”نحن US”، و”مكان هادئ A Quiet Place”.
انحراف الرومانسية
في الثمانينيات والتسعينيات اعتدنا مشاهدة الأفلام الرومانسية فيما تقدم داخل إطار كوميدي محبب إلى القلب وشائع حتى باتت الكوميديا جزءًا لا يتجزأ من معادلة الحب في هوليود.
ومع بدايات القرن الحالي تعثرت الأفلام الرومانسية وبدت سخيفة أو مفتعلة بمعظم الوقت، قبل أن نصل لهذا العقد حيث قدمت الرومانسية بنزعة من السوداوية أو بأحسن الأحوال الواقعية فشاهدنا أعمالًا رومانسية لكن بنهايات قاتمة مثل “جراد البحر The Lobster”، و”أنوماليسا Anomalisa” وغيرهما.