ليس غريبًا أن أفلام الحروب ما زالت تستهوي صناع السينما حتى الآن، فهي تتيح للمخرجين فرصة استخدام مؤثرات من شأنها أن تبهر المشاهدين، وعادة ما تتميز تلك الأعمال بالقصص التي تحبس الأنفاس، خاصة إذا ما نجح صناعها في الجمع بين التاريخ والدراما الإنسانية، فتزداد وتيرة الصراع النفسي الذي سرعان ما يصبح المشاهد أحد أطرافه.
“1917”
فيلم “1917” هو أحدث الأفلام التي تنتمي لتلك الفئة وتشغل حيزا كبيرا من الساحة الفنية هذه الأيام، فبمجرد أن بدأ عرضه مؤخرا حتى احتل المرتبة 41 ضمن قائمة موقع “آي أم دي بي” (IMDb) الفني لأفضل 250 فيلما بتاريخ السينما، قبل أن ينافس بقوة في موسم الجوائز الحالي مترشحا لعشر جوائز أوسكار وتسع جوائز بافتا، بالإضافة إلى فوزه بجائزتي غولدن غلوب بالفعل.
أحداث الفيلم تتناول قصة اثنين من الجنود البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى، يكلفان بمهمة عاجلة ومصيرية إن لم تكن مستحيلة، تهدف إلى عبورهم أرض العدو والوصول إلى كتيبة مكونة من 1600 جندي لتحذيرهم من الوقوع في فخ سوف يكلفهم حياتهم.
مهمة واحدة وأبطال محدودون، ورغم ذلك ينجح العمل في جعل الجمهور يعيش حالة من التوتر والقلق طوال ساعتين خلال تجربة هذين الشابين، والتساؤل المستمر عن نجاح مهمتهما، وعن الثمن الذي عليهما أن يدفعاه في سبيل الوصول.
“دانكيرك” (Dunkirk)
عرف المخرج والكاتب كريستوفر نولان بأعماله المميزة، ورغم أن الكثير من أعماله اتسمت بالإثارة والمغامرة أو الخيال العلمي، فإنه قرر في 2017 تقديم فيلم حربي لطالما كانت لديه فكرته وإن كان ينتظر الوقت المناسب لإنتاجه.
هذا الفيلم لم يكن سوى “دانكيرك” الذي تدور أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية، وتتناول أشهر وأكبر عملية إجلاء في التاريخ بمنطقة دانكيرك عام 1940، وقد اعتمد السرد الدرامي للعمل على ثلاث محاور، المحور الجوي المتمثل في سلاح الطيران الحربي البريطاني، والمحور الأرضي لإجلاء المشاة، بجانب المحور البحري الذي تجسد في القارب المدني الصغير وما دار به من أحداث.
ظهر العمل بشكل أقرب للوثائقي، ساعد على ذلك اعتماده على نجوم غير معروفين للمشاهد وقلة الحوار المستخدم، هذا بالإضافة للاستعانة بعدد من الطائرات والسفن الحربية الحقيقية مع آلاف من الكومبارس، كل ذلك صبغ العمل باللمسة الواقعية خاصة في ظل الموسيقى التصويرية التي غلب عليها طابع الترقب والقلق.
كل ما سبق أدى إلى نجاح العمل جماهيريا وحصوله على إيرادات تجاوزت 526 مليون دولار، أما فنيا فأشاد النقاد بالتصوير السينمائي والموسيقى التصويرية، حتى أن البعض صنفه كأفضل فيلم بتاريخ مخرجه، قبل أن يتوج العمل بالفوز بالأوسكار والبافتا البريطانية.
“هاكسو ريدج” (Hacksaw Ridge)
فيلم درامي تاريخي وسيرة ذاتية دارت أحداثه في إطار إنساني رغم كل أهوال الحروب غير الإنسانية، فقصة العمل تدور حول “ديزموند دوس” الذي ينضم كجندي مسعف خلال الحرب العالمية الثانية، وبسبب المذهب الديني الذي يتبعه يرفض حمل السلاح أو حتى التدرب على استخدامه.
وهو ما يجعله مغضوبا عليه من مرؤوسيه، ومحل سخرية من زملائه خاصة أنه بهذه الطريقة يعرض حياته للخطر، وعلى ذلك ينجح ديزموند في إنقاذ المئات بمفرده خلال أجواء الحرب القاسية حيث القصف وتساقط الجثث من حوله طوال الوقت، وهو ما يحصد عنه وسام الشرف ليصير أول جندي يحصل على ذاك الوسام دون إطلاق رصاصة واحدة.
صدر الفيلم في 2016 وقوبل بنجاح منذ عرضه الأول بمهرجان البندقية، حتى أن الناقد السينمائي “ريكس ريد” صنفه كأفضل فيلم حربي منذ إنتاج “إنقاذ الجندي ريان” في 1998، قبل أن يعرض بشكل موسع فيجني إيرادات تجاوزت 175 مليون دولار، بالإضافة لفوزه بالأوسكار والبافتا وترشحه للغولدن غلوب، ليصبح “هاكسو ريدج” هو الفيلم الذي صالح لجان التحكيم مع النجم ميل غيبسون مخرج العمل وجعلهم يعيدون الترحيب به كأحد أبناء هوليوود بعد عشرة سنوات من التجاهل.
“إنقاذ الجندي رايان” (Saving Private Ryan)
من أشهر أفلام التسعينيات، أخرجه ستيفن سبيلبيرغ وقام ببطولته النجم توم هانكس، ليحصد العمل وقتها خمس جوائز أوسكار بالإضافة إلى البافتا والغولدن غلوب، وحقق إيرادات قاربت نصف مليار دولار وهو رقم ضخم بالطبع في ذاك الحين.
قصة الفيلم استندت إلى بعض الأحداث الحقيقية، وإن كان صناع العمل أضافوا أحداثا أخرى خيالية لمزيد من الدراما، حيث تحكي القصة عن المجند رايان الذي فقد إخوته الثلاثة أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو ما يجعل المارشال المسؤول يقرر تشكيل مجموعة إنقاذ يقودها النقيب جون ميلر، بهدف البحث عن هذا المجند وإعادته فورا لوالدته المسنة التي خسرت لتوها معظم أبنائها.
بجانب التميز الدرامي للعمل، حرص مخرجه على التصوير الواقعي للمعارك حتى أنه استعان بالفعل بألف جندي خلال التصوير، كذلك لجأ لاستخدام آلات ومركبات حربية حقيقية، وهو ما أضفى مصداقية على العمل وجعله أحد الأفلام الحربية التي أجمع عليها الجمهور والنقاد.