وُصفت بـ ” الخاتون ” و” ملكة الصحراء “، و”أقوى امرأة عرفتها الامبراطورية البريطانية”. الكشف عن حياة ” جيرترود بيل ” الباحثة والمستكشفة وعالمة الآثار البريطانية كمن يستكشف قطعة آثار في صحراء العرب الواسعة.
“بيل” التي لقبت في كتب التاريخ البريطاني بـ ” لورانس العرب الفتاة “، تلقت تعليمها في اكسفورد وكانت مفتونة بالثقافة العربية لكنها بقيت وراء الكواليس، ولم تلحظ أمام شهرة نظيرها المعاصر لها الضابط البريطاني توماس إدوارد لورانس أو كما كان يعرف بـ “لورانس العرب”.
ولدت بيل في مقاطعة دورهام في عام 1868 م من أسرة غنية، درست التاريخ في اكسفورد قبل أن تسافر إلى إيران. عام 18922 لزيارة عمها السير فرانك لاسيلس الذي كان سفيراً آنذاك.
عشقت بيل دراسة علم الآثار، فأمضت 20 عاما في السفر حول العالم والشرق الأوسط خاصة. التقت بيل “لورانس” على الحدود السورية التركية عندما كانت في مدينة كارشميش القديمة خلال عملية تنقيب عن الآثار عام 1909م.
وطبقاً لصحيفة التايمز، فقد كان اللقاء الأول بارداً بين لورانس وبيل، وممزوجاً بالتقاليد الفكتورية والغطرسة، فضلاً عن شعور لورانس بالتهديد من امرأة كانت على درجة مساوية له فكرياً، وليس هذا فحسب بل وتتحدث العربية أفضل منه.
لكن الحرارة عادت إلى علاقة الثنائي من جديد وكونا صداقة قوية. فـ “بيل” صاحبة الـ 20 عاماً كانت مهتمة بالرجل المثير بالاهتمام الذي سوف يشاركها فيما بعد بتأسيس “المكتب العربي” في القاهرة، مكتبٌ كان بمثابة “مركز استخباراتي” لوزارة المستعمرات البريطانية.
بعد سنوات، تم تجنيد بيل من قبل الاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى للمساعدة في توجيه الجنود في الصحارى، قبل أن يتم تعيينها مستشارة للجيش البريطاني في المنطقة عام 1917.
وصفها فيصل الأول بـ “الأخت”
بعد الحرب العالمية الأولى، ساعدت بيل وفقاً على رسم الحدود العراقية . أهميتها في المنطقة برزت عندما دعيت إلى مؤتمر القاهرة في عام 19211 إلى جانب لورنس، الذي استضافه وزير الدولة لشؤون المستعمرات آنستون تشرشل لمناقشة مستقبل أقاليم الشرق الأوسط، حيث دعمت وقتها تعيين “فيصل الأول”، أو فيصل بن حسين الهاشمي، ملكاً على العراق، وغالبا، يحب المؤرخون نسبة فكرة التعيين إلى بيل؛ نظراً للعلاقة الوثيقة التي نشأت بينهما فيما بعد، إذ كان يلقبها بـ “أختي”، وظل عملها متصلاً بشؤون العشائر، إضافة إلى التنسيق الشامل بين المندوب السامي البريطاني، والبلاط الملكي العراقي، أما على الجانب البريطاني، كُلفت بيل بإعداد تقارير دورية، حول الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوجهات الرأي العام العراقي، وهي التقارير المحفوظة إلى الآن في مركز الوثائق بلندن.
يعود لـ “بيل” الفضل في تأسيس المتحف العراقي وظل المتحف حافظاً لأهم الآثار التي وجدتها والآثار العراقية البابلية القديمة والمخطوطات والتحف حتى عام 2003م، حيث سرقت وتحطمت بعض الآثار في ظل تدهور الأوضاع أثناء حرب غزو العراق، فقد نهبت وخربت الكثير من الآثار وقد أرجع البعض منها خلال الفترة ما بعد عام 2006، وكذلك يعود لها الفضل في حفظ بعض القطع الأثرية في تدمر التي نهبها داعش في وقت لاحق من هذا العام.
حياة بيل الزوجية، حزينة، حيث ارتبطت بالدبلوماسي هنري كادوجان الذي لم يلبث أن توفي بعد أشهر من ارتباطهما. علاقها الثانية كانت مع الجندي تشارلز دوتي ويلي، وقيل إن وفاته في غاليبولي خلال الحرب قد كسرت قلبها، مما دفعها إلى صب كل جهودها في عملها.
يوليو (تموز) عام 1926؛ توفيت “بيل” في بغداد بسبب جرعة زائدة من الدواء، لتأخذ معها أسراراً دثرها التاريخ رغم أنها لم تحظ يوماً بثقة وزير الخارجية الاستعماري “ماركس سايكس”، الذي وصفها يوماً ما، بـالمرأة الـ “بلهاء، وثرثارة، ومغرورة، وسطحية”.