على مدى قرون طويلة منذ فرض الحج على المسلمين في العام التاسع الهجري، تتوافد سنويا جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام من شتى أنحاء العالم لأداء فريضة الإسلام الخامسة في مكة المكرمة.
لكن منذ فجر الإسلام شهد العالم الإسلامي ظروفا صعبة حُرم فيها المسلمون من الذهاب للحج خوفا من مشاق الطريق في مواسم معينة أو أثناء سيطرة القرامطة على البيت العتيق الذين عطلوا تلك الفريضة عدة سنوات.
ورغم أن الحج فرض على كلّ مسلم بالغ عاقل قادر على أدائه، فإنه لم يتحقق في بعض المواسم بسبب فقدان الأمن أو خوف الأوبئة والأمراض، أو صعوبة الطريق والغلاء الشديد، وفي بعض هذه الحالات غابت وفود أقطار العالم الإسلامي عن شهود المناسك وكان الحجاج قليلين للغاية.
ونتعرض في هذا التقرير لمواسم انقطاع الحجاج عن مكة بسبب الأوبئة والخوف من المرض والعدوى.
ومع تحول فيروس كورونا الحالي لأزمة دولية لا يبدو أنها تنتهي قريبا، يتوقع كثيرون إلغاء موسم الحج لهذا العام الجاري، تجنبا لمآسي فادحة حدثت في مواسم حج سابقة.
تفشي الطاعون
في عام 1814، مات نحو ثمانية آلاف شخص جراء تفشي الطاعون في بلاد الحجاز، ما أدى إلى توقف الحج في سنة الطاعون.
كما تفشّت الأوبئة سنة 1837 خلال فترة الحج، واستمرت حتى 1892، وشهدت تلك الفترة موت ألف حاج يوميًا، بحسب وكالة الأناضول.
قرن الأوبئة
بدأ أول وباء كوليرا في القرن التاسع عشر الميلادي في الفترة بين عامي (1817-1824م) وعرف باسم “كوليرا آسيوية” واندلع من مدينة كلكتا الهندية لينتشر في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وساحل البحر المتوسط.
وفي حين أن الكوليرا انتشرت في الهند عدة مرات من قبل، إلا أن تفشي المرض في تلك الحقبة ذهب أبعد من ذلك ليصل إلى الصين والبحر الأبيض المتوسط قبل أن ينحسر، بعد أن خلف مئات الآلاف من الموتى بما في ذلك العديد من الجنود البريطانيين.
وفي هذه الفترة مات آلاف من الحجاج بالوباء، الذي انتقلت عدواه من بؤرته الأساسية في شرق وجنوب آسيا، إلى طرق الحج ومكة، وفي عام 1831م الموافق 1246هـ تفشى الوباء الآتي من الهند مجددا ليحصد أرواح العديد من الحجاج.
وشهدت مواسم الحج حتى عام 1840 مواسم متقطعة لتفشي الوباء، وكذلك في الفترة من عام 1846 إلى عام 1850م.
وضمن ما سمي “وباء الكوليرا الرابع” بالقرن التاسع عشر تفشى الوباء من جديد وفي السنة الأولى له 1863م التي توافق 1280هـ ذهب عشرات الآلاف ضحية الوباء الذي اجتاح الحجاز وأنحاء الشرق الأوسط، وانتقل لروسيا وأوروبا وأفريقيا ليحصد مزيدا من الأرواح خاصة في زنجبار شرق أفريقيا، وبعد عدة سنوات فقط أصبحت بؤر الكوليرا شائعة في مدن أوروبا وروسيا وحتى أميركا الشمالية.
وفي الأعوام 1858 و1864 أسهمت مصر بأطباء وحجر صحي لمحاولة مكافحة العدوى المنتشرة، وفي عام 1892 تزامن تفشي الوباء مع موسم الحج ودفن العديد من الموتى في مكة.