تأتي جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 حاملة رسالة تحذيرية إلى المدخنين بكسر حلقة إدمان النيكوتين وتسريع خطوات الإقلاع عنه، وذلك لما للتدخين من آثار سلبية خطيرة على الجهاز التنفسي، تجعله في موقف ضعف تام أمام الهجوم المدمر للفيروس.
ربما يرى المدخن أن فرصة الإقلاع عن التدخين بعيدة المنال، لا سيما في فترة العزل الصحي والصيام في رمضان، لكنهما -في الحقيقة- سلاحان داعمان للإقلاع عن التدخين، خاصة عند اكتشاف أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالالتهاب الرئوي 14 مرة من غير المدخنين، حسب دراسة أجريت على 78 مريضا بكوفيد-19، ونشرت في المجلة الطبية الصينية، كما لاحظت منظمة الصحة العالمية أن المدخنين من المرجح أن تظهر لديهم أمراض أكثر خطورة إذا أصيبوا بالفيروس.
ونبهت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) إلى أن التدخين بكافة أشكاله -بما فيها الإلكتروني- قد يزيد خطر الإصابة بالالتهاب الرئوي الناتج عن الفيروس، ويضاعف شدته، نظرا لارتباطه الوثيق بأمراض الربو والانسداد الرئوي المزمن والشريان التاجي، وجميعها أمراض تضعف الاستجابة المناعية والقدرة على الصمود أمام تداعيات هجوم الفيروس.
لذا ينصح مدير مركز أبحاث مكافحة التبغ بجامعة كاليفورنيا ستانتون غلانتس “بالتوقف عن التدخين التقليدي والإلكتروني، وتجنب التدخين السلبي”، لتقليل خطر الإصابة بكوفيد-19.
ما الذي يحدث؟
وحسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الإلكتروني فإن “التدخين يعني أن الأصابع -وربما السجائر الملوثة- تلامس الشفتين بشكل مستمر، مما يزيد احتمالات انتقال الفيروس من اليد إلى الفم. ولا يستبعد كذلك أن يكون المدخنون مصابين بمرض رئوي، مما يعرضهم لمضاعفات خطيرة. كما أن أدوات التدخين تستخدم عادة من قبل أكثر من شخص، مما قد يسهل انتقال العدوى، ويعرض المرضى لخطر الإصابة بأمراض خطيرة كالالتهاب الرئوي”.
كما يحدث أيضا أن يتسبب التدخين في التهاب الرئتين ويثبط وظائف المناعة، فبحسب رئيس قسم أمراض الرئة في مستشفى جامعة نيويورك الدكتور بيرزادا، فإن “التدخين المنتظم يمنع التطهير الهدبي للمسالك الهوائية، فتلك الأهداب الصغيرة التي تشبه الشعر، والمسؤولة عن إخراج السموم والمخاط من الشعب الهوائية وإبعادها عن الرئتين عند السعال، تتأثر بشدة عند الاستمرار في التدخين”.
ويقول حسن توروت رئيس قسم جراحة الصدر بكلية الطب في جامعة رجب طيب أردوغان التركية للأناضول “إن السجائر تؤثر سلبا على آلية رد فعل الجسم في مواجهة المرض الذي يتسبب فيه فيروس كورونا، وبسبب الضرر الكبير الذي تلحقه بالرئتين يحدث الفيروس تأثيره في أنسجة الرئة التالفة والمتضررة، مما يؤدي إلى حدوث فشل تنفسي حاد، قد يصل إلى درجة الوفاة”.
كيف تؤثر السجائر على الجسم؟
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، “يصبح مدخنو التبغ أقل عرضة للإصابة بفيروس كوفيد-19 إذا توقفوا عن التدخين، لأن الإقلاع عن التدخين له تأثير إيجابي مباشر على وظائف الرئة والقلب والأوعية الدموية، ويزداد هذا التحسن بمرور الوقت، مما يرفع قدرة مرضى فيروس كورونا على التصدي للعدوى، ويقلل خطر الوفاة”.
ويشرح أستاذ القلب بجامعة “ستانفورد” كريشنا سودهير ما يحدث للجسم بعد التوقف عن التدخين، على منصة “تيد” (TED)، فيقول “بعد عشرين دقيقة من إقلاع المدخن عن التدخين، يبدأ معدل ضربات قلبه وضغط دمه العودة إلى وضعهما الطبيعي. وبعد 12 ساعة يستقر مستوى أول أكسيد الكربون في الجسم، مما يزيد من قدرة الدم على حمل الأكسجين.
وبعد يوم من الإقلاع، تبدأ فرص حدوث الأزمات القلبية الانخفاض بسبب عودة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب إلى وضعهما الطبيعي. وتصبح الرئتان أكثر صحة بعد نحو شهر، مع سعال أقل وتحسن في مشكلة ضيق التنفس؛ لتبدأ الأهداب الحساسة التي تشبه الشعر في المسالك الهوائية والرئتين التعافي في غضون أسابيع، وتتعافى تماما بعد تسعة أشهر، مما يعزز المناعة ضد العدوى”.
خطوات الإقلاع عن التدخين
يحتاج المدخن إلى عدة إجراءات عند بدء خطوة الإقلاع عن التدخين، من أهمها الابتعاد عن جميع الظروف والمؤثرات الشرطية التي ارتبطت بالرغبة في التدخين لديه، فإذا كانت مقابلة الأصدقاء أو التواجد في المقاهي، حيث انتشار الدخان حوله يثير رغبته في التدخين، إضافة إلى إلحاح الأصدقاء ودعوتهم لمشاركتهم في التدخين، فإن قضاء اليوم بالعزل المنزلي، إلى جانب ساعات الصيام الطويلة، قد يصبحان حافزا للإقلاع عن التدخين.
ويدرك المدخن جيدا أن الأمر ليس سهلا في الأيام الأولى، لكنها خطوة تحتاج للدعم من قبل المحيطين به، فيجب إعداد وتهيئة البيئة من حوله لهذه الخطوة، كاتباع الخطوات التالية:
– تنظيف المنزل من أية آثار للتدخين كعلب وأعقاب السجائر.
– إزالة منافض السجائر من المنزل.
– غسل ملابس المدخن وأغطية الفراش التي قد تحمل رائحة السجائر، وقد تثير المدخن للعودة إلى التدخين.
– تعطير المنزل والمفروشات برواح طيبة كبديل لرائحة السجائر.
– توفير بدائل كالمشروبات أو الوجبات الخفيفة أو الفاكهة أثناء ساعات الإفطار، للإلهاء عن التدخين.
وعلى المدخن ألا يتردد في طلب المساعدة من أفراد أسرته، لاستيعاب التغيير الذي يمر به خلال هذه الفترة الحرجة، لا سيما أن الرغبة في التدخين تستغرق بين 5 و10 دقائق، ويمكن تخطيها باتباع هذه الخطوات، التي تنصح بها “مايو كلينك”:
1- جرب بدائل النيكوتين، الموصوف طبيا، كالبخاخ أو اللصقات أو العلكة أو أقراص الاستحلاب.
2- تجنب المثيرات، كالمقاهي والضغط النفسي وشرب القهوة إذا كانت مرتبطة لديك بالتدخين، ويمكن استبدال السجائر بقطعة شوكولاتة كمكافأة بديلة عن السيجارة.
3- التأخير، كلما شعرت بأنك على وشك الاستسلام للرغبة في التدخين، قاوم وانتظر عشر دقائق فقط، وقم بعمل شيء ما لإلهاء نفسك وتأخير تلك الرغبة، كتمرين بسيط أو الاستحمام بماء دافئ أو بارد، حسب ما يشعرك بالراحة.
4- قم بمضغ شيء ما، امنح فمك شيئا حلو المذاق لمضغه كالعلكة الخالية من السكر أو الحلوى، أو اقضم الجزر النيء أو تناول قليل من المكسرات أو بذور عباد الشمس.
5- احذر خدعة “واحدة وحسب”، فلا تخدع نفسك بتصديق إغواء أن تدخين سيجارة واحدة سيساعد في إسكات الرغبة في التبغ، ففي كثير من الأحيان يؤدي تدخين سيجارة واحدة إلى الثانية، ولا تترك في المنزل أي سيجارة تتسبب في ضعفك أو انتكاستك.
6- كن نشطا بدنيا، فالنشاط البدني حتى لو اقتصر على صعود ونزول السلالم، أو القيام بنزهة صغيرة للمشي أو الهرولة، سيفيد في صرف انتباهك عن الرغبة في التدخين ويقلل شدتها.
7- مارس أساليب الاسترخاء، لأن مقاومة الرغبة في التدخين قد تكون مجهدة نفسيا بحد ذاتها، فمن الممكن تخفيف هذا الإجهاد عن طريق تمارين اليوغا والتأمل والاستماع إلى الموسيقى أو الصلاة الطويلة إلى حد ما، وربما تساعدك صلوات التراويح والتهجد في ذلك.
8- قم بالاتصال لتحصل على الدعم، في سعيك لمقاومة الرغبة في التدخين، اتصل هاتفيا بأحد أفراد العائلة أو بصديق، وأجر محادثة مرحة.
9- تصفح الإنترنت، لتتعلم من الآخرين كيف توقفوا عن التدخين، وجرب التطبيقات المخصصة لهذا الغرض.
10- ذكر نفسك بالمنافع، كالشعور بحال أفضل، والتحسن الكبير في الصحة، وتخليص الأحباء من التدخين السلبي، وتوفير المال.
وتذكر أن القرار بيدك، والأمر لن يستغرق سوى عدة أيام للتخلص من عادتك السيئة.