في رحلة عبر الزمن القريب، ينقل مسلسل “حرائق صغيرة في كل مكان” (Little Fires Everywhere) المشاهدين إلى مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، ليكشف عددا من المشكلات الاجتماعية المتداخلة.
يعد المسلسل واحدا من أحدث الأعمال الدرامية على منصة “هولو” الإلكترونية، وهو من بطولة ريس ويذرسبون -التي تقوم كذلك بدور المنتجة المنفذة- وكاري واشنطن، وحقق المسلسل معدل 77% على موقع الطماطم الفاسدة المتخصص بتقييم الأفلام والمسلسلات.
عن الأمومة في التسعينيات
تدور أحداث المسلسل بشكل أساسي في نهاية التسعينيات، حيث نتعرف بصورة سريعة على إلينا وعائلتها التي تبدو مثالية، المكونة من أربعة أطفال وزوج محب، وبيت مريح وفخم، وعلى الجانب الآخر الأم الشابة ميا التي لديها ابنة واحدة، وتمتلك سيارة قديمة، وتنتقل ما بين المدينة والأخرى مثل المشردين لتمارس عملها الفني لشهور قليلة ثم تغادر.
تلتقى السيدتان المتناقضتان بصورة جذرية، ومن هنا تبدأ سلسلة من التفاعلات، تجعل كل منهما تكشف عن ماضيها وكيف وصلت إلى اللحظة الحالية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه منذ الحلقة الأولى هو لماذا التسعينيات؟ في الحقيقة الإجابة محيرة للغاية، فلا يوجد أي داع درامي قوي يجعل المسلسل يدور في هذه الحقبة، أو لا يدور في الوقت الحالي على الأقل، فمشاكل الأمهات والعلاقة مع المراهقات وأزمات منتصف العمر كلها تسري على كل الأزمنة سواء التسعينيات أو الآن.
ولكن الإجابة الوحيدة شبه المنطقية هي بعض الحرية التي أرادها كتاب المسلسل في التعامل مع موضوعات لا تتطابق مع معايير “الصواب السياسي” في الوقت الحالي، فقد تناول العمل نقاطا مثل العنصرية ضد أصحاب الأصول الأفريقية بشكل لا يمكن تناوله في الزمن الحالي بمثل هذه الصراحة، خاصة مع المحاولات المستمرة من البيض في تبرئة ساحتهم من عنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء خلال عقود طويلة.
كل المشكلات في 8 حلقات
ولكن بعيدا عن زمن الأحداث، عانى المسلسل من علامة استفهام كبيرة أخرى، وهي ماذا يريد أن يقول؟ أو ما هي القصة التي يقدمها بالفعل؟
هل هي قصة الأمهات وكيف يؤثر ماضي كل منهن على الاختيارات التي تتخذها بصورة يومية، وطريقة تربيتها لأولادها؟ هل هي قصة مجموعة من المراهقين والمراهقات والأزمات التي يمرون بها بصورة يومية؟ أم هو مسلسل غموض وإثارة، خاصة مع الكثير من الأسرار التي لم تُسرد عن ماضي “ميا”؟ هل هو مسلسل عن العنصرية ضد الملونين؟
حاول المسلسل أن يقدم كل ذلك في عدد محدود من الحلقات، في تضارب غير منطقي، ففي كل حلقة يأخذنا إلى اتجاه مختلف، فهناك على سبيل المثال حلقة مخصصة لموضوع الإجهاض لشخصية فرعية تماما، ودون العودة لهذه النقطة مرة أخرى، وجزء آخر من حلقة يتناول أزمة منتصف العمر، وهي كذلك ليست متصلة بصورة رئيسية بباقي الأحداث، مما يؤدي في النهاية إلى تشتيت المشاهد الذي لا يعلم ماذا يرغب المسلسل في أن يقوله بوضوح؟
على الجانب الآخر، بدأ المسلسل بمشهد من المستقبل، نرى فيه منزل البطلة إلينا يحترق، مع الإشارة إلى اختفاء إحدى ابنتيها، وهو الحدث الذي من المفترض أنه يعيدنا إلى ماضيه لنشاهد التصاعد الذي أدى إليه، ولكن على مر الحلقات لم يتم الإشارة له مرة أخرى حتى كاد المشاهدين أن ينسوه.
دور مكرر لريس ويذرسبون
تشهد مسيرة ريس ويذرسبون الفنية في الوقت الحالي انتعاشة في مجال المسلسلات، فهذا المسلسل الثالث الذي تقدمه خلال سنتين، والذي لا تقوم ببطولته فقط، ولكن كذلك تعمل منتجة تنفيذية فيه، وذلك أمر مقبول في ظل القوة التي أصبحت عليها صناعة المسلسلات في الوقت الحالي، سواء للقنوات التلفزيونية أو للمنصات الإلكترونية مثل هولو وآبل ونتفليكس، التي تضخ مبالغ هائلة لنجوم المسلسلات.
ولكن غير المنطقي هو تقديم ريس الدور نفسه في مسلسلين في وقت متقارب هكذا، فدور إلينا في مسلسل “حرائق صغيرة في كل مكان” يشبه بصورة تقارب التطابق دور مارلين في مسلسل “أكاذيب صغيرة كبيرة”.
فكل من مارلين وإلينا أم في منتصف العمر، تعيش حياة عائلية تبدو من الخارج مستقرة للغاية، مع منزل فخم ومريح وأطفال لطفاء، لكن هناك جانب آخر خفي منها، مثل التسلط مع الأطفال، والعلاقة المضطربة مع الزوج، والهشاشة النفسية على عكس الثبات الواضح.
في حين كان أداء كيري واشنطن لدور الأم الأخرى “ميا” يميل إلى المبالغة الشديدة خاصة في تعبيرات الوجه، مع عدم اتساق ردود أفعالها مع المواقف التي توضع بها.
على الجانب الآخر، الأداء الأفضل في المسلسل كان من المراهقين، أو الأبناء والبنات، خاصة ميغان ستون في دور “إيزي” الخروف الأسود في عائلة إلينا، أو الابنة المنبوذة، والمتمردة على القواعد العائلية التي وضعتها الأم المسيطرة، وكذلك ليكسي أندروود في دور “بيرل” ابنة ميا التي تعاني بسبب تنقل والدتها المستمر، وتطمح إلى عائلة مثالية مثل عائلة إلينا، في حين يقبع وراءها سر كبير.
إجمالا، فإن مسلسل “حرائق صغيرة في كل مكان” عمل مسل بشكل عام، ذو عدد محدود من الحلقات، وهو مقتبس عن رواية بالاسم ذاته صدرت عام 2017، ولا توجد أي أخبار بعد عن إنتاج موسم ثانٍ له.