رحل عن عالمنا قبل ساعات قليلة الفنان إبراهيم نصر، الممثل الكوميدي وصاحب أحد أشهر برامج الكاميرا الخفية عربيا، والذي استمر لأعوام وأرسى الكثير من قواعد هذا النوع من البرامج، ورغم مرور سنوات على توقفه عن تقديمها، فإن الجمهور لا يزال يتذكرها بحنين شديد.
إبراهيم نصر من مواليد مدينة القاهرة، وتعود جذور عائلته إلى محافظة أسيوط بصعيد مصر. ظهرت موهبته منذ العاشرة من عمره، حيث أصبح بالتدريج ممثل الكوميديا الخاص بالعائلة، وفي الوقت ذاته ترأس فرقة التمثيل في المدرسة، ثم الجامعة، لتبدأ حياته الفنية لاحقا كـ”منولوجست” (مُضحك)، يقلّد النجوم، وكذلك اشترك في تقديم برامج للأطفال.
ولكن البداية الحقيقية له كانت في إحدى حلقات برنامج “عزيزي المشاهد” الذي قدمته الإعلامية الراحلة أماني ناشد، ليضع نصر بصمته سريعا.
وفي منتصف السبعينيات أصبح له نصيب من الأدوار المساعدة في السينما والتلفزيون، حيث عمل مع كبار النجوم مثل فاتن حمامة في فيلم “لا عزاء للسيدات”، وعادل إمام في فيلم “شمس الزناتي”، وأحمد زكي في فيلم “الاحتياط واجب”.
ومع بداية الثمانينيات بدأ مرحلة جديدة، حيث أخذ أدوارا أكبر في المسرح، واكتسب قاعدة جماهيرية كبيرة أهلته للخطوة الثالثة في مسيرته، وهي برامج الكاميرا الخفية التي أدخلته كل بيت.
وطوال هذه المسيرة الطويلة لم يقدم إبراهيم نصر البطولة لأي من أعماله الدرامية سوى مرتين، الأولى في العام 1989 في فيلم “أحلام العبيط”، وهو فيلم كوميدي اعتمد على عدد من الممثلين متوسطي النجومية مثل محمود الجندي وميمي جمال وحسين الشربيني، والثاني “زكية زكريا في البرلمان” إنتاج عام 2001 استغلالا لنجاح شخصية زكية زكريا في برامج الكاميرا الخفية.
وتعد العلامة الفارقة بالنسبة له في الأداء التمثيلي دوره في فيلم “أكس لارج” مع أحمد حلمي عام 2011، حيث قدم واحدا من أفضل أدواره لشخصية الخال “عزمي”، المصاب بالسمنة ويحاول إنقاذ ابن أخته من المصير ذاته، لتصبح وفاته نقطة تحوّل في حياة الأخير.
وقد استعاد نصر بهذا الدور شعبية كبيرة، أدى بعده دورين صغيرين في “الكهف” و”فوق السحاب”، آخرهما عام 2018، أي قبل وفاته بعامين.
الكاميرا الخفية
بدأت قصة إبراهيم نصر مع برامج الكاميرا الخفية منذ بداية التسعينيات، ففي عام 1991 عرض عليه الإعلامي عبد المنعم غالي إعداد برنامج كوميدي، بينما قدم له نصر فكرة الكاميرا الخفية، التي لاقت استحسانا لدى غالي، ليبدأ العمل على برنامج “انسى الدنيا” الذي حقق جماهيرية كبيرة، والتفت حوله كل العائلات، وعرض في شهر رمضان، حتى أصبح عادة سنوية بعد ذلك لإبراهيم نصر.
بعد هذا النجاح الكبير، بدأ الأمر يأخذ شكلا أكثر احترافيا بدخول طارق نور صاحب شركة الدعاية والإعلان في ذلك الوقت، وعقد اتفاقا مع نصر بمقابل مالي كبير، والأهم مشاركة كاتب ومخرج مميزين ساهما في صناعة نجاح البرنامج في مواسم كثيرة قادمة هما فداء الشندويلي ورائد لبيب.
استمر عرض برنامج الكاميرا الخفية لإبراهيم نصر لسنوات حتى أصبح جزءا لا يتجزأ من “النوستالجيا الجماهيرية”، مع مسلسلات الكاتب أسامة أنور عكاشة، وفوازير نيللي وشريهان، وحتى اليوم لا تزال عبارات مثل “انفخ البلالين يا نجاتي” و”كشكشها متعرضهاش” -التي كانت تلقى على لسان زكية زكريا- مشهورة وحيّة في الأذهان، خاصة مع الصورة الكاريكاتيرية التي صنعت للشخصية.
مقالب نصر ورامز
عندما تذكر برامج “المقالب” الكوميدية والكاميرا الخفية، يعقد الجمهور مقارنة تلقائية بين الماضي والحاضر، لا سيما مع استمرار هذه البرامج وارتباطها بشهر رمضان، وعلى رأسها برامج الممثل رامز جلال، التي تحقق كل عام ملايين المشاهدات، وكثيرا من الانتقادات في الوقت نفسه.
لكن عدد المشاهدات ليس الفيصل الوحيد بين برامج إبراهيم نصر ورامز جلال، بل مدى احترام كل منهما للأشخاص الذين ظهروا في الحلقة معه، فرغم أن نصر كان يقدم مقالبه مع عامة الشعب، فإنه التزم خفة الظل غير المهينة، ولم يلجأ لترويع الضيوف، وأعطى لهم حق رفض العرض، كما حدث بناء على أحد تصريحاته، حيث رفض عدد من الأشخاص عرض ما تم تصويره، ورضخ لهم هو وصناع البرنامج.
كما رفض نصر العنف والضرب وأي محاولات قد تعرض ضيوف برامج الكاميرا الخفية الحديثة للخطر أو الصدمة، ربما لهذا السبب يتذكر المشاهدون برامج إبراهيم نصر، مع شعور بالحنين للماضي لزمن كان فيه الضحك غير ممزوج بالإهانات، ليرحل نصر عن عالمنا في شهر رمضان الذي شهد أوج نجاحه من قبل.