ينشط في العالم الإسلامي عموما، وفي العالم العربي خصوصا عدد من الفنون البارزة في شهر رمضان، في ظاهرة فنية مثيرة للدهشة كونه شهر الصيام في الدين الإسلامي، ويقوم هذا الفرض الديني على الامتناع عن عدة سلوكيات، أهمها الأكل والشرب.
وما يكسب هذه الظاهرة الغرابة أن الصائمين يقاومون الجوع والعطش بالإبداع، فما سر هذه العلاقة المثيرة بين الصوم وهذه الفنون الدرامية؟
سيكولوجية الجوع
يتجلى الشعور بالجوع عادة بعد ساعات دون أكل من 12 إلى 23 ساعة بعد هضم الطعام، ويستمر تقلص المعدة في المرة الواحدة مدة تصل إلى 30 ثانية، تعقبه آلام الجوع لمدة 30-45 دقيقة ليختفي بعدها الجوع لمدة 30- 150 دقيقة، وقد تهدأ الحالة النفسية (الغضب، الفرح.. إلخ)، كما تزداد مراحل الجوع عند انخفاض السكر.
وعندما تظهر انقباضات في المعدة تستجيب القناة الهضمية وتفرز هرمون الغريلين الذي يعرف أيضا باسم “هرمون الجوع”، وينتقل عبر مجرى الدم إلى المخ.
ويستطيع الإنسان الصحيح -الذي يعيش تحت درجة حرارة معتدلة- التعايش مع الجوع حتى ثمانية أسابيع، وذلك بوضع افتراض أنه لن يؤدي أعمالا شاقة، وربما يستطيع من هم بصحة أفضل أن يصمدوا أكثر.
إستراتيجيات الدماغ
بداية، يقوم الدماغ برفع مستوى الذكاء بشكل جزئي، وذلك في سبيل البحث عن مصادر جديدة للطعام، وفي هذه المرحلة أيضا يقوم الدماغ بإضعاف دور “الأنا الأعلى”، وهي المنطقة المسؤولة عن المبادئ والقيم والأحكام الاجتماعية، وهو ما يعتبر الأساس العلمي لمقولة “الغاية تبرر الوسيلة”، إلا أنها من جهة أخرى تمنح الأفكار بعض الحرية الإيجابية التي تسهم في تحقيق مناخ إبداعي.
وعندما يكون الجوع فعلا مقصودا ولا تكون هناك ضرورة للبحث عن مصادر الطعام، مع اقتران ذلك بحالة من الصبر والتحمل او الانتظار فإن الدماغ يقوم بعدة حيل لتلافي الشعور بالجوع، ومعظم هذه الحيل تقوم على الاستغراق في النشاط الذهني على حساب النشاط البدني.
العملية الإبداعية
لطالما كانت العملية الإبداعية هاجسا محيرا للعلماء، وحتى الآن لا توجد دراسة علمية شاملة عن هذه العملية، إلا أنه يمكننا القول إنها عملية مركبة بين عدة هرمونات تختلف كمياتها وأنواعها من شخص إلى آخر، ولكنها تعتمد بشكل رئيسي على مستويات عالية من السيروتونين والدوبامين، وهو ما يعني تحقيق حالة من الاسترخاء والهدوء لدى المبدع التي تعزز عملية الاستغراق.
مناخ خصب للإبداع
يفسر النشاط الذهني للدماغ أثناء الجوع عادات الشرود لدى الصائم، إذ يسهل عنده الانفصال عن المؤثرات الخارجية والاستغراق في أفكاره المتطايرة بعيدا عن الجوع كأحلام اليقظة، وهذا ما يفسر أيضا إقبال الناس على متابعة الأعمال الفنية في هذا الشهر، إذ يعتبر هذا الشهر موسما فنيا رئيسيا لدول العالم الإسلامي تكثر فيه الأعمال الدرامية التلفزيونية وبرامج المسابقات.
أما بالنسبة للمبدعين فيعد هذا الشهر وقتا مناسبا للإبداع، خصوصا في أوقات الصيام، حيث تكون عمليات الاستغراق لديه في وقت الصيام أكثر حرية من أي وقت آخر بسبب ضعف دور “الأنا الأعلى” التي لربما قد تعيق بأحكامها استغراق المبدع، فضلا عن النشاط الذهني الكبير الذي ينتجه الجوع.
كما ترافق هذا الشهر حالة من الكرنفالية الدينية مع أهازيج وأغان وطقوس خاصة ذات مستوى فني عال وعريق نذكر منها “أهلا رمضان”، و”مرحب شهر الصوم”.