في 11 من ديسمبر/كانون الأول 1911، وفي واحدة من حواري حي الجمالية بمصر القديمة، ولد الأديب المصري نجيب محفوظ، الذي حاز جائزة نوبل للآداب، وقدم للعالم صورة للمجتمع المصري برواياته التي تدور أحداث أغلبها في القاهرة المدينة التي عاش فيها قرابة 95 عاماً قبل أن يرحل نهاية أغسطس/آب 2006.
ولد الراحل في بيت بسيط يطل على ميدان “بيت القاضي” ودرب “قرمز”. ولم يكن سكان الحي يعلمون أن ابن حارتهم -الذي درس الفلسفة، وكان أول من احترف الكتابة فيها- سيروي سيرتهم للعالم.
يقول محفوظ “وكان البيت مليئا بالأشجار، كنت أمد يدي فأمسك أوراق الشجر، كان شجرا نسميه شجر ذقن الباشا” أما البيت نفسه فلم يعد به غير الصمت، وانتظار السقوط.
ونال نجيب -بأدبه الواقعي- جائزة نوبل للآداب عام 1988 عندما كان يبلغ من العمر 76 عاما، وبينما كان يسير كعادته لشراء صحف الصباح في طريقه إلى مكتبه فوجئ بخبر حصوله على الجائزة، وقالت اللجنة إن محفوظ قدم خدمة كبيرة للإنسانية من خلال أعماله الأدبية.
إهمال رسمي
عقب وفاة محفوظ ظهرت فكرة إنشاء متحف لأديب نوبل، وتداولتها وسائل الإعلام تحت رعاية وزير الثقافة السابق فاروق حسني الذي أصدر قرارا بإنشاء المتحف الذي يحمل رقم 804 لسنة 2006.
لكن الخطوات الفعلية لم تبدأ إلا عام 2012 حيث خُصصت تكية محمد أبو الذهب لتحويلها إلى المتحف، بتمويل إجمالي 15 مليون جنيه (الدولار نحو 16 جنيها).
وبحسب تقارير صحفية محلية تم تأجيل موعد افتتاح المتحف 6 مرات، ويظل السبب متنوعا، فمثلا برر رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية فتحي عبد الوهاب التأخير بكون التعامل مع المبنى الأثري يختلف عن التعامل مع أي مبنى آخر من حيث احتياجه لعناية خاصة، إلى جانب نقص في الميزانية.
لكن محمد حسن عبد الفتاح مدير التوثيق الأثري والمشرف على توثيق المزارات الأثرية بوزارة الآثار أرجع سبب تأخر الافتتاح إلى العثور على كشف أثري جديد داخل تكية أبو الذهب، وهو عبارة عن مكان كان يستخدم لتخزين المياه أسفل المبنى.
أخيرا، العام الماضي فقط، افتتح المتحف الواقع داخل المبنى الأثري “تكيّة أبو الذهب”. والتكيات في أدب محفوظ ملجأ النفس لكثير من أبطاله وأشهرهم عاشور الناجي في ملحمة “الحرافيش” الذي وجد في أناشيد التكية لحظات من الحياة النادرة.
وكانت أم كلثوم، ابنة أديب الراحل، كشفت في حوار متلفز بإحدى الفضائيات المصرية الخاصة، قبل سنوات، عن سر ظل مدفونا لنحو 3 عقود من الزمن، وهو أن قلادة النيل -التي كرم بها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أباها الحائز على نوبل- كانت من الفضة وليس من الذهب كما هو المعتاد ومنصوص عليه في الوثائق الحكومية المعنية.
وقلادة النيل أعلى وسام بالبلاد، وتكون من الذهب الخالص بوزن 488 غراما، ومحلاة بأحجار من الياقوت الأحمر والفيروز الأزرق، ومنحت لمحفوظ عقب منحه جائزة نوبل، وفي نفس السنة.
وقالت أم كلثوم -في الحوار المتلفز ذاته- إن أمها قالت لوالدها فور رؤيتها للقلادة “هذه ليست من الذهب” ثم تأكدت فيما بعد من بائع المجوهرات الذي قال إنها من الفضة المطلية، فسألتها مضيفتها الإعلامية المصرية منى الشاذلي “ماذا يعني هذا الكلام؟” فأجابت “يعني أنها جائزة مغشوشة”.
ولكن، لماذا احتفظت العائلة بهذا السر 29 عاما؟ تقول أم كلثوم إن أباها وهو صاحب الشأن لم يكن يكترث لهذه الأمور، ولم يخبر أحدا بهذا الأمر طيلة حياته.
سيرة الأديب العربي
كتب محفوظ عشرات الروايات والقصص، واعتبر أكثر أديب عربي حولت رواياته إلى أفلام سينمائية وتلفزيونية.
التحق بالكُتاب، وتعلم القراءة والكتابة، ثم درس في التعليم العام، والتحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة بعد ذلك) عام 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، وشرع في إعداد رسالة الماجستير عن “الجمال في الفلسفة الإسلامية” لكنه توقف بسبب العمل.
عمل موظفا بالحكومة، حيث اشتغل سكرتيرا برلمانيا بوزارة الأوقاف (1938-1945) ثم مديرا لمؤسسة القرض الحسن حتى عام 1954، انتقل بعدها مديرا لمكتب وزير الإرشاد، ثم مديرا للرقابة على المصنفات الفنية. وعين مديرا عاما لمؤسسة دعم السينما ثم رئيسا لها، حتى أحيل إلى المعاش عام 1971.
قرر محفوظ التركيز على الأدب، واستوحى من المنطقة التي نشأ بها (حي الجمالية ومحيطه) معظم رواياته وقصصه، التي شكلت عالمه الخاص، ومنها انطلق إلى العالمية، وقد بدأ في الكتابة منذ منتصف ثلاثينيات القرن العشرين.
نشر قصصه القصيرة في مجلة “الرسالة” ذائعة الصيت، وأول قصه نشرها حملت عنوان “همس الجنون” 1938، ثم رواية “عبث الأقدار” عام 1939، و”رادوبيس”، و”كفاح طيبة”، وكلها عن تاريخ الفراعنة.
بدأ مسيرته في الكتابة الواقعية بروايات “القاهرة الجديدة، خان الخليلي، زقاق المدق، السراب، بداية ونهاية” ثم “بين القصرين، قصر الشوق، السكرية”. لم يلق محفوظ اهتماما يذكر من النقاد لما يقرب من 20 عاما، وظل يشعر بالامتنان للأديب والمفكر الإسلامي سيد قطب الذي كان أول من كتب عنه، وقدمه للساحة الأدبية في مجلة “الرسالة” عام 1944.
أثارت روايته “أولاد حارتنا” عام 1959، التي نشرها على حلقات في جريدة “الأهرام”، ردود فعل غاضبة من علماء الأزهر، بسبب الحديث المباشر عن الرموز الدينية، مما أدى إلى توقف نشرها وطبعها في مصر، لكنها سببا في حصوله على جائزة “نوبل” في الأدب.
واستمر محفوظ في الإبداع، وكتابة الرواية والقصة والمقال، حتى قبيل وفاته بفترة وجيزة. وكتب أكثر من 30 رواية اشتهرت غالبيتها، وتم إنتاجها سينمائيا أو تلفزيونيا، وأول رواياته “عبث الأقدار” ثم “رادوبيس” 1943، ومن أشهر رواياته: الثلاثية “بين القصرين، قصر الشوق، السكرية”، و”ثرثرة فوق النيل، الكرنك، بداية ونهاية، اللص والكلاب، أولاد حارتنا، الحرافيش”.
أما آخر رواية كتبها فهي “قشتمر” عام 1988، وكتب أكثر من 20 قصة قصيرة، آخرها “أحلام فترة النقاهة” عام 2004. اعتبر النقاد مؤلفاته بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر وتدوينا معاصرا للوجود الإنساني.
همس النجوم
وبعد 14 عاما على رحيله، عاد الأديب المصري لسرد قصصه عن الحارة والمقهى والشخصيات المهمشة، من خلال 18 قصة لم يتضمنها أي كتاب من قبل، لكن الصحفي المصري محمد شعير -أحد مريديه- جمعها ونشرها في إصدار جديد.
وتتشكل المجموعة التي تحمل اسم “نجيب محفوظ.. همس النجوم” وصدرت عن دار الساقي في بيروت، من قصص نشرها محفوظ في تسعينيات القرن الماضي بإحدى المجلات، لكنها لم تجمع في أي كتاب، مضافة إليها قصة جديدة من “كنز أدبي” عثر عليه شعير لدى ورثة الأديب الراحل.
وقال هذا الصحفي الذي دأب على مراجعة وتحليل سرديات محفوظ، في مقدمة الكتاب “عندما منحتني ابنته أم كلثوم صندوقا صغيرا يتضمن أوراقا عدة تخص محفوظ، شعرت بلذة كأنني على وشك اكتشاف مقبرة فرعونية”.
ويضيف “من ضمن الأوراق ملف كامل يضم نحو 40 قصة قصيرة، لكن لم تنشر القصص وقت كتابتها. يعود إليها محفوظ بعد سنوات لينشرها في مجلة (نصف الدنيا) وبقيت 18 قصة قصيرة خارج الأعمال الكاملة بطبعاتها المختلفة”.
وقطعا لأي شك في صحة القصص، أرفق شعير صورة من أصول هذه القصص بخط يد محفوظ، مع الإبقاء على عناوين الأعمال كما اختارها الروائي الراحل.
ومن هذه القصص “مطاردة، توحيدة، ابن الحارة، نبوءة نملة، أبونا عجوة، السهم، همس النجوم، العمر لعبة، دعاء الشيخ قاف” وغيرها من الأسماء التي حرص محفوظ من خلالها على وصف البيئة الشعبية.