يعتقد أغلبنا أنه يملك عقلية متفتحة، لكن الواقع أننا أكثر ميلا للانغلاق عندما نجابه متاعب الحياة وأحزانها ومخاوفها.
ويؤكد الكاتب جيمس ماريوت في تقرير نشره في صحيفة “ذا تايمز” البريطانية (thetimes)، أن الأبحاث العلمية الحديثة أظهرت أن البشر أكثر ميلا للانغلاق، وأن الانفتاح على التجارب من سمات الشخصية التي تبدأ في الاضمحلال مع تقدمنا في العمر.
مغامرة سيسيليا
يقول الكاتب إن رواية “سيسيليا تستيقظ” للكاتبة البريطانية تيسا هادلي تلخص المشكلة برمتها. تتحدث القصة عن فتاة مراهقة تذهب في إجازة إلى فلورنسا مع والديها المثقفين اليساريين المحبين للفنون، واللذين يبدوان كأكثر الناس انفتاحا في العالم.
على مدى القصة، تدرك سيسيليا أن نكات والديها وهوسهما بالتاريخ ليست دليل تفوق على الآخرين، بل مجرد انعكاس لعقلين منغلقين يحاولان الهروب من مخاوف الحياة وأحزانها ومباهجها.
ينفتح عقل سيسيليا على عالم مفعم بالمغامرة والعنف والمخاطرة والتمرد، وهو عالم يتجاهله والداها ويشعران تجاهه بحساسية شديدة، لكنها تميل فجأة نحو الانغلاق وتُحجم عن حياة المغامرة.
ويرى الكاتب أن ما تُلمح إليه هادلي في القصة هو أننا نحتاج فعلا لنغلق عقولنا لنتمكن من مجابهة الحياة، ويضيف أن “تخوف سيسيليا من عالم أكثر تحررا ومغامرة وخطورة أمر مثير ولكنه مخيف أيضا. يشعر المراهقون بالرغبة في فعل كل ذلك، ولكن مع تقدم السن والإرهاق، نفقد الطاقة والوقت للحاق بكل فكرة وكل تجربة جديدة”.
سمة الانفتاح تتقلص مع التقدم في العمر في حين تصبح السمات الأخرى مثل الضمير أكثر وضوحا
هل الانغلاق أمر حتمي؟
يعتبر الانفتاح على التجربة من السمات الخمس الكبرى التي تشكل شخصية الإنسان وفق علم النفس، إلى جانب الضمير والانبساط والوفاق والعصابية. ويشمل الانفتاح مجموعة من الصفات مثل الإحساس بالجمال والفضول الفكري والخيال وتفضيل التنوع على التماثل.
وما تريد هادلي قوله من خلال قصة سيسيليا هو إن سمة الانفتاح تتقلص مع التقدم في العمر، في حين تصبح السمات الأخرى مثل الضمير أكثر وضوحا.
والانفتاح ليس مسألة اختيار، كما كان يُعتقد. فوفقًا لبحث نفسي حول هذه المسألة، فإن مستويات انفتاحنا على التجربة، مثل جميع سمات الشخصية، تخضع بشكل كبير إلى العوامل الوراثية والبيئية التي تحيط بنا.
ووجدت دراسة حديثة أن سكان جزر البحر التيراني قبالة سواحل إيطاليا، أقل انفتاحًا من سكان بقية مناطق البلاد، كما أن السكان الذين عاش أسلافهم في هذه الجزر لأكثر من 20 جيلًا، أقل انفتاحا من أولئك الذين وصل أسلافهم في مراحل متأخرة.
لكن ذلك لا يعني، حسب الكاتب، أن الانغلاق أمر حتمي، إذ توصلت الأبحاث الحديثة إلى أنه من الممكن أن تصبح أكثر انفتاحًا على التجربة إذا كنت تمتلك العزيمة والرغبة.
مستويات انفتاحنا على التجربة تخضع للعوامل الوراثية والبيئية المحيطة بنا
الانفتاح على التجربة
وبيّنت دراسة نُشرت عام 2018 أن عددا من المتطوعين الذين أقبلوا على الكتابة الإبداعية بشكل يومي أو دونوا يومياتهم، أظهروا قدرة أفضل على التفكير الإبداعي، وهي من أهم مقاييس الانفتاح.
وهذا يقودنا، حسب ما يراه الكاتب، إلى أن نبذل ما في وسعنا للصمود خلال المعركة المضنية في سبيل البقاء منفتحين على العالم، “فهي معركة تستحق أن نخوضها لأن العالم ثري ومبهج بقدر ما هو مخيف ومؤلم”.
ويرى الكاتب أنه من الأفضل استخدام عبارة “الانفتاح على التجربة” بدلا من عبارة “الانفتاح الذهني”، التي قد توحي بأنك ستترك باب عقلك مفتوحًا لتسمح لأي فكرة بالدخول.