هل ينتقل فيروس كورونا المستجد عبر الغبار الأصفر؟ وما أبرز العوامل التي تحدد انتقاله؟ وما مدى فعالية الكمامات؟ وما التداعيات بعيدة الأمد؟ هذه بعض الأسئلة الجديدة التي نجيب عنها في هذا التقرير الشامل.
الغبار القادم من الصين
نبدأ من كوريا الشمالية حيث حذّرت الدولة مواطنيها من الخروج من منازلهم، قائلة إن الغبار الأصفر الموسمي الذي يهبّ من الصين قد ينقل فيروس كورونا المستجد إلى البلاد.
وقالت صحيفة “رودونج سينمون” (Rodong Sinmun) الرسمية في كوريا الشمالية الخميس الماضي، “مع استمرار انتشار إصابات فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم أصبحت الحاجة إلى التعامل مع الغبار الأصفر، واتخاذ إجراءات شاملة أكثر أهمية”.
ولا توجد -على ما يبدو- أدلة تدعم الادّعاء بأن الفيروس الذي يسبب مرض “كوفيد-19” قد ينتقل إلى كوريا الشمالية من صحراء جوبي الواقعة على بعد 1900 كيلو متر. والمقياس الشائع للتباعد الاجتماعي هو متران على الرغم من أن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها تقول إن القطرات التي تحتوي على الفيروس يمكن أن تبقى في الهواء ساعات أحيانا.
وقالت الصحيفة الكورية إنه يتعين على المواطنين الامتناع عن الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق، وعليهم اتباع إرشادات الوقاية مثل وضع كمامات عند الخروج.
ولم تسجّل كوريا الشمالية أي حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، وهو أمر يشكك فيه خبراء الصحة. وشددت بيونغ يانغ القيود على الحدود، وفرضت إجراءات حجر صحي منعا لتفشي المرض.
وقالت محطة “كيه. آر. تي” (K.R.T) التلفزيونية الحكومية يوم الأربعاء، إن الغبار الأصفر والغبار الناعم قد يحتويان على مواد ضارة مثل المعادن الثقيلة والكائنات الدقيقة المسببة للأمراض بما في ذلك الفيروسات.
ما أبرز العوامل التي تحدد انتقال فيروس كورونا؟
نشر باحثون دراسة جديدة في مجلة “ساينس” (Science) العلمية، حددوا من خلالها 3 مسببات رئيسة لانتشار وباء كورونا بسرعة كبيرة. وأكد فريق البحث بقيادة عالمة الأوبئة إليزابيث لي -من “مدرسة بلومبيرغ للصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز” (Johns Hopkins University, Bloomberg School of Public Health) في بالتيمور- أن جزءا كبيرا من عدوى فيروس كورونا يحدث في المنازل.
وأشار الباحثون في دراستهم إلى أن العديد من الدراسات السابقة أكدت أن 46 إلى 66% من الإصابات بالفيروس تحدث بسبب اختلاط الناس في المنازل، وذلك حسب ما نقل موقع “دويتشه فيله”.
وشدد العلماء في نص دراستهم أن “هذا يتفق مع حقيقة أن الاتصال المنزلي هو سبب رئيس لانتقال فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى”، وأن المؤسسات التي تؤوي عددا كبيرا من الأشخاص مثل السجون، ودور الإيواء الجماعي، ومرافق الرعاية تعد مصادر انتشار سريع للفيروس.
كما أشارت الدراسة إلى السبب الثاني المتمثل في الاختلاط أثناء الأحداث الكبرى التي يجتمع فيها عدد كبير من الناس، وهي مناسبات تؤدي إلى الانتشار السريع لكورونا. وأكدت أن حامل الفيروس الذي لا تظهر عليه الأعراض باكرا ينشره بين المخالطين له في أحداث عامة مثل حفلات الزفاف أو غيرها.
أما السبب الثالث الذي يسبب انتشار الوباء إقليميا ودوليا فهو السفر، إذ أشارت الدراسة إلى أن “التحكم في التنقل، ومنعه قد يبطئ من انتشار الوباء”. وذكرت الدراسة أن القواعد الصارمة التي التزمت بها الصين بشأن فرض قيود السفر سمحت بنجاحها في احتواء الفيروس.
ما مدى فعالية الكمامات؟
ننتقل إلى اليابان حيث أظهر باحثون أن الكمامات يمكن أن توفر الحماية من جزيئات فيروس كورونا المنتشرة في الهواء، لكن حتى واقيات الوجه الطبية لا توقف بشكل كامل خطر انتقال العدوى، وفق ما نقلت رويترز.
وأنشأ العلماء بجامعة طوكيو غرفة معزولة، ووضعوا فيها وجوه تماثيل تواجه بعضها بعضا، رأس أحدها مزود ببخّاخ يحاكي السعال وينشر جزيئات حقيقية لفيروس كورونا، وبقية الرؤوس تحاكي التنفس الطبيعي، في حين يتطاير الفيروس في الهواء.
ووجد الباحثون أن الكمامة القطنية حدّت من استنشاق الفيروس بنسبة 40%، والكمامة “إن 95” (N95) الطبية حدّت منه بنسبة 90%. لكن حتى عندما وضعت الكمامة الطبية بإحكام على وجه التمثال تسربت جزيئات من الفيروس عبرها.
وعندما وضعت الكمامة، سواء القطنية أو الطبية على وجه التمثال الذي ينشر المرض حدّت من انتشار الفيروس بنسبة 50%.
وكتب الباحثون في الدراسة “كانت النتيجة أفضل عندما وضعت الكمامة على وجه من ينشر الفيروس، ومن يستقبله”.
وهناك إجماع متزايد بين خبراء الصحة على أن الفيروس يمكن أن ينتقل عن طريق الهواء. وعدّلت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها توصياتها الإرشادية الشهر الحالي، لتقول إن مسببات المرض من الممكن أن تظل عالقة في الجو ساعات.
ما التداعيات بعيدة الأمد؟
وفي حوار أجرته صحيفة “فيستر كورييه” الألمانية 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ونقلته “دويتشه فيله”، أكد الخبير والباحث الألماني في أمراض الرئة والجهاز التنفسي توبياس فيلته أنه لا تنبغي الاستهانة بالآثار طويلة المدى لفيروس كورونا حتى بعد التعافي، والتي غالبا ما يقلّل من شأنها.
وأكد فيلته أنه “يمكن تقسيم عواقب فيروس كورونا بعيدة المدى إلى صنفين، فهناك مرضى يعانون وهنا في أداء الأعضاء الحيوية كالقلب والرئة حتى بعد أسابيع عديدة من انحسار العدوى، وغالبا ما تُلاحظ تغيرات في الرئتين (..) حيث يعاني المرضى ضيقا في التنفس”.
هذا التشخيص أكدته دراسة أجرتها جامعة أكسفورد البريطانية، وحذّرت من أن نحو ثلثي المتعافين من الفيروس يعانون ضررا بأعضاء في الجسم، وذلك بعد 3 أشهر من خروجهم من المستشفى.
وخلصت الدراسة إلى أن 60% من المتعافين الذين نقلوا إلى المستشفى جراء إصابتهم بفيروس كورونا ما زالوا يعانون التهابا في الرئة بعد مرور 3 أشهر على شفائهم.
وقال الباحثون إن أشعة التصوير بالرنين المغناطيسي أظهرت أن 30% من المتعافين يعانون ضررا دائما في الكلى، و26% يعانون ضررا في القلب، و10% في الكبد.
كما ظهرت لدى المتعافين دلالات على تغيرات في الأنسجة في أجزاء من المخ، وكان أداؤهم في الاختبارات البدنية والإدراكية سيئا، وعانى ثلثا المرضى ضيقا دائما في التنفس، وظهرت على 55% منهم دلالات على إرهاق عقلي وبدني. وعززت الدراسة التي شملت 58 شخصا من المتعافين من كورونا القلق المتزايد بشأن صحة وحالة الأشخاص الذين يتمكنون من النجاة من الفيروس.
وشملت الدراسة 58 مريضا كانت لديهم أعراض متوسطة إلى حادة لفيروس كورونا، ونُقلوا لتلقّي العلاج في مستشفيات جامعة أكسفورد.
الدكتور فيلته أكّد من جهته أن المرضى يشكون من مجموعة متنوعة من الأعراض وصفها بـ”متلازمة ما بعد كوفيد”، حيث يشعر كثيرون بالعجز والإرهاق بعد الإصابة، والتعب المستمر، كما يعاني آخرون صعوبة في التركيز، وكوابيس منتظمة، وفجأة يصيبهم النسيان.