هل الأدب الحديث رديء حقا وأقل جودة من الأدب الكلاسيكي القديم؟ في الواقع، يعتمد هذا الأمر على ما تقرأه. وإن كنت قد صادفت كتابين أو 3 كتب رديئة من بين آلاف الروايات التي صدرت هذا العام، فهذا لا يعني أن الأدب الحديث بأكمله رديء.
في هذا التقرير، يحاول موقع “برايت سايد” أن يدحض الفكرة السائدة لدى كثير من القراء والمهتمين بالأدب، حول أفضلية الروايات الكلاسيكية وثرائها وعمقها وجمال لغتها مقارنة بالروايات الحديثة التي توصف بالسطحية وغياب الإبداع.
ويقول الموقع إن تلك الادعاءات تستند أساسا إلى كتب وروايات حديثة حظيت برواج كبير ونسب مبيعات عالية رغم أنها لا تصنف كأعمال أدبية جيدة، مثل “خمسون ظلا من الرمادي، الشفق، مباريات الجوع”. لكن الأدب الحديث لا يقتصر على هذه الكتب فحسب، كما أن الأدب الكلاسيكي ليس فوق النقد.
لا يتحدث عن واقعنا
يؤكد الموقع أن الأجيال المختلفة ظلت تدرس الأعمال الأدبية ذاتها في المدارس مع استثناءات نادرة، دون مراعاة لتغير الزمن. واختلفت اهتمامات الناس عما كانت عليه قبل عدة عقود، لذلك أضحى الأدب الكلاسيكي بالنسبة للأجيال الجديدة مملا ويصف واقعا مغايرا تماما للحياة العصرية.
في المقابل، يصف الأدب الحديث الواقع المعاصر، ولهذا يفضل الكثير من الناس قراءة الروايات الجديدة.
ورغم أن الكثير من المواضيع تصلح لكل زمان ومكان، مثل العلاقة بين الوالدين والأطفال، والعلاقات الرومانسية وحب الوطن والطبيعة والحيوانات، فإن طبيعة العلاقات بين البشر تغيّرت بشكل كبير وهو ما يعني أن طرح مثل هذه المواضيع في قالب حديث سيجذب القارئ أكثر مما قد يجذبه طرحها برواية كلاسيكية.
المرأة في الأدب الكلاسيكي
يُعتقد أن المرأة تحبّذ قراءة الروايات الخيالية، في حين تُظهر الإحصائيات أن الرجال يحبّون الروايات العلمية ويقرؤون أقل من النساء.
والسبب الأساسي في هذه الاختلافات أن المرأة والرجل لا يبحثان في الأدب عن الشيء ذاته، إذ ترى النساء أن الكتب وسيلة للهروب من الواقع، ويقرأها الرجال لاكتشاف الحقائق التاريخية، بحسب تقرير الموقع الأميركي.
ولأن الأدب الكلاسيكي كان موجها بالأساس للرجل، إذ عادة ما يكون هو الشخصية الرئيسية، ولا تكاد المرأة تظهر إلا في دور التابع الذي يعتمد على الرجل في كل شيء. ولأن القراء في الوقت الحالي، وأغلبهم من النساء -كما يقول الموقع-، فإن الروايات الحديثة أكثر رواجا ومبيعا.
لغة صعبة وعبارات غير مفهومة
يقول الموقع إن من العوامل التي ترجح كفة الروايات الحديثة هي أن لغة الأدب الكلاسيكي صعبة للغاية.
فقد يبلغ طول جملة واحدة في روايات ليو تولستوي صفحة كاملة، كما تعجّ الروايات الكلاسيكية بعبارات يصعب أن يفهمها القراء في العصر الحالي، مثل أسماء المهن القديمة والملابس والأدوات التي كانت موجودة زمن الرواية واختفت في عصرنا.
وقد يجهل القارئ العصري عبارات وصياغات قديمة كانت شائعة زمن كتابة الأعمال الأدبية، لكنها في حكم المنقرضة في الزمن الحالي.
ورغم كل ذلك، يبقى الأدب الكلاسيكي -حسب الموقع- مميزا من ناحية ثراء اللغة المستخدمة وجمال أساليبها، وهو ما توفره الروايات الحديثة للقارئ. لذلك فإن قراءة الروايات الكلاسيكية قد يكون مفيدا جدا في إثراء الزاد المعرفي وتطوير الفكر النقدي.
سهولة الكتابة والنشر
في الماضي، كانت مهنة الكتابة حكرا على فئة معيّنة من المثقفين، كما كانت وسائل النشر صعبة ومكلفة.
أما في الوقت الحالي، فإنك قد لا تحتاج أصلا إلى ناشر حتى تروّج كتابك أو روايتك، وأدى ذلك إلى ظهور عدد هائل من الأعمال الأدبية دون أي قيود تُذكر، لكن ماذا عن قيمة هذه الكتب والروايات؟
يتّبع العديد من الكتاب المعاصرين قاعدة الكتابة عن تجاربهم الخاصة فقط. ولكن عندما تستند جميع الكتب إلى التجربة الخاصّة، دون إضافة عناصر إبداعية أخرى مثل الخيال والرومانسية، قد تصبح جميع الكتب متشابهة وتفقد كل قيمة أدبية، حسب ما يقول الموقع.
الرواية وغزارة الإنتاج
أوضح الموقع أن صعوبة العثور على كتاب جيد من بين آلاف الكتب الجديدة -التي تُنشر باستمرار على شبكة الإنترنت- تعود أساسا إلى طرق الإعلان والترويج.
إذ إننا عادة ما نختار الكتب بناء على التوصيات والمراجعات الموجودة على المواقع المتخصصة، لكن مثل هذه الملاحظات تُعطى عادة لمن يدفع أكثر للترويج لكتابه، في حين لا يملك الكثير من الكتاب المميزين ما يكفي من المال لإنفاقه على الإعلانات.
ورغم أن عدد الكتب التي كانت تصدر في الماضي أقل بكثير من وقتنا الحاضر، كانت هناك روايات وقصص سيئة لفّها النسيان سريعا، ولهذا السبب تحديدا يتراءى لكثيرين أن الأدب الكلاسيكي أفضل جودة وأكثر عمقا من الأدب الحديث.
ومع ذلك فهناك موضوعات حديثة لم يتناولها الأدب القديم، مثلاً في الوقت الحالي يجري نشر العديد من الروايات الجديدة حول تغير المناخ، ضمن التصنيف الأدبي الذي بات يسمى “الخيال المناخي” -على غرار “الخيال العلمي”- ويتناول موضوعات التغير المناخي والاحتباس الحراري وآثارها على حياة البشر.
وحافظ التقليد الأكاديمي على تناول تاريخ الرواية منذ نشأتها الأوروبية، مع دون كيشوت عام 1605 أو في أوائل القرن 18 مع الكلمة الإيطالية “نوفيلا (novella) التي كانت تستخدم لوصف القصص الطويلة بالعصور الوسطى، وذلك رغم وجود أشكال سابقة من الرواية القديمة.
ويكشف التتبع المبكر لتاريخ الرواية والأعمال القديمة -التي لم تحظَ بلقب “رواية” رغم كونها سردا نثريا طويلا وقصصيا يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثا- الكثير عن إسهامات الأدب العربي بالعالم، خاصة فن الرواية جنبا إلى جنب الآداب اللاتينية أو اليونانية القديمة واليابانية وحتى الصينية القديمة.