جسمه الممتلئ ووجهه المشوب بالحُمرة وعيناه الخضراوان ونبرة صوته الضاحكة التي تنمّ عن عفوية ساخرة، إلى جانب تلقائية أدائه وولعه بتنويع شخصياته بحيث لا تتكرر ولو مرة واحدة، وحرصه على ألاّ يحبسه تقدمه في السن في نوع معين من الأدوار؛ كل هذه عناصر شكّلت جواز مرور الفنان المصري يحيى الفخراني (75 عاما) إلى جمهور الفن العربي.
فقد ظل لأكثر من 4 عقود يتقدم في السينما ويعتلي خشبة المسرح ويقدم عملا دراميا تلفزيونيا سنويا، مُنوّعا أدواره. فهو يلبس قناع شرير حقود في فيلم “الغيرة القاتلة”، ومواطن يضحي بكل شيء في سبيل التصدي للفساد في مسلسل “لا”، وكيميائي مستقيم تسحقه عصابات المخدرات في فيلم “الكيف”، وأرستقراطي في “ليالي الحلمية”، وأخ أكبر عاشق في “الليل وآخره”، وضابط إسرائيلي في “إعدام ميت”.
كما أنه رسام مزور في “حب في الزنزانة”، ومحاسب بملهى ليلي في “راقصة قطاع عام”، وكهل إنجليزي في “الخواجة عبد القادر”، وشيخ عرب في “شيخ العرب همام”، وملك في مسرحية “الملك لير”، وهكذا واصل يحيى تنويع أقنعته حتى وضع قناع الشيطان نفسه في مسلسل “ونوس”.
ضد الاستبداد بكافة أشكاله
يلمس المتابع لأداء الفخراني سطوعه أكثر في الأدوار التي تنطوي على رفض الاستبداد بأشكاله، منذ بداياته المسرحية، عندما شارك نور الشريف بطولة مسرحية “بكالوريوس في حكم الشعوب” عام 1978، أو من خلال دوره في فيلم “الكيف” عام 1985، حين تصدى حتى آخر رمق وبكل ما أوتي من قوة لاستبداد زعيم عصابة المخدرات (جميل راتب).
وكذلك في المسلسل الدرامي “لا” عام 1994، والذي أطلق فيه الفخراني (عبد المتعال محجوب) صرخة ضد الفساد والاستبداد، وزُج به في السجن وتحطمت حياته بعد خروجه من محبسه، ووجد اسمه قد أدرج ضمن سجل الوفيات، وفقد أسرته ومدّخراته، قبل أن يبدأ رحلة لإثبات هويته من جديد.
أيضا في مسلسل ألف ليلة وليلة “علي بابا والأربعين حرامي” عام 1995، حيث دور الحطاب الفقير “علي بابا” الذي كشف السر الذي يفتح مغارة اللصوص المُتخمة بالمسروقات، فقرر التصدي لهم بطريقته الفطرية، وأخذ ما استولوا عليه من المستبدين الكبار.
وفي مسلسل “للعدالة وجوه كثيرة” عام 2001، عندما قام بدور رجل الأعمال جابر مأمون نصار الذي كان يتمتع بسمعة جيدة ويعيش حياة عائلية مستقرة في بلدته، قبل أن تنقلب حياته رأسا على عقب بعد أن يكتشف أنه طفل غير شرعي، فيقرر خوض معركة ضد استبداد المجتمع في ظلمه للأطفال المجهولي النسب.
كما تصدى لاستبداد العائلة الرافضة لوقوعه في الحب وزواجه من مغنية في مسلسل “الليل وآخره” عام 2003، ورفض استبداد المجتمع الجنوبي في إقصاء الأجنبي ورفض مصاهرته في مسلسل “الخواجة عبد القادر” عام 2012، في دور رجل إنجليزي أسلم واستقر في صعيد مصر في فترة الأربعينيات، وعانى من التحفظ والرفض لكونه أجنبيا غريبا.
مشوار حالفه الحظ
بدأ يحيى الفخراني مشواره الفني من التلفزيون مع المخضرم عبد المنعم مدبولي في “أيام المرح” 1972، قبل أن يخطو أولى خطواته المسرحية مع صلاح السعدني في “حب وفركشة” 1974، ليتجه بعدها إلى السينما في فيلم “آه يا ليل يا زمن” 1977.
ليعود نجمه ليلمع أكثر مع مدبولي من جديد في “أبنائي الأعزاء شكرا” 1979، قبل أن يثبت أقدامه تلفزيونيا بدوره الكوميدي في “صيام صيام” 1980، ثم يكمل مشواره في السينما عام 1982 في “رحلة الشقاء والحب” مع محمود ياسين، و”دعوة خاصة جدا” مع فريد شوقي.
وفي مطلع الثمانينيات تألق مع نجوم كبار، بدءا من “الغيرة القاتلة” مع نور الشريف 1982، و”حب في الزنزانة” مع عادل إمام 1983، و”خرج ولم يعد” مع فريد شوقي 1984، و”الكيف” و”إعدام ميت” مع محمود عبد العزيز 1985، وهو العام الذي قدم فيه أفضل أدواره الكوميدية المسرحية في “راقصة قطاع عام”.
وبعد تألقه اللافت سينمائيا يبتسم له الحظ عام 1987، وتتاح له الفرصة ليتقاسم عرش الدراما التلفزيونية مع نجمها الكبير صلاح السعدني (العمدة سليمان غانم)، عبر دور سليم البدري في ” ليالي الحلمية” حتى عام 1995.
من الفن إلى السياسة
يواصل الفخراني مشوار السيطرة التلفزيونية بعد تجربته السينمائية الناجحة مع فاتن حمامة في فيلم “أرض الأحلام” 1993، ثم يقدم دور أب يخوض صراعا حادا مع إغراء امرأة تعده بالمال من أجل تأمين مستقبل أبنائه، في “نصف ربيع الآخر” 1996، ويتبعه بمسلسل “زيزينيا” 1997.
وفي أوج نجاحه، يقرر تجميد مساره السينمائي عند فيلم “مبروك وبلبل” 1998، مفضلا مواصلة تألقه المسرحي برائعة “الملك لير” 2001 التي مثلت خطوة كبيرة في مشواره المسرحي.
ثم يواصل تنويعاته الدرامية الفريدة بمسلسل “يتربى في عزو” 2007، و”شيخ العرب همام” 2010، ومسلسل “ونوس” عن إغواء الشيطان ومسؤولية الإنسان 2016، ليكون آخرها “بالحجم العائلي” وهو رابع أعماله مع ميرفت أمين في عام 2018.
وبذلك يبلغ إجمالي ما قدمه الفخراني في عمره الفني الذي قارب على نصف قرن، 117 عملا، حصل عنها على أكثر من 50 جائزة، وتضمنت: 39 فيلما سينمائيا، و41 مسلسلا تلفزيونيا، بالإضافة إلى فوازير 1998 و3 سهرات تلفزيونية أخرى، و13 مسرحية، و11 مسلسلا إذاعيا، و9 أعمال أداء صوتي، من بينها دور الراوي في “عمارة يعقوبيان” 2006، والأداء الصوتي لصوت البحار في المسلسل الكرتوني “قصص الإنسان في القرآن” 2012، وصوت القاضي صفي الدين في مسلسل “قصص الآيات في القرآن” 2015، وفيلم الكرتون العالمي “قصة لعبة”.