Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the wp-hide-security-enhancer domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/tamol01/public_html/archive/wp-includes/functions.php on line 6114
الطيور.. أنواعها ومعانيها - أرشيف شبكة التأمل الإعلامية

الطيور.. أنواعها ومعانيها

أرشيف شبكة التأمل الإعلامية

نشر في: الإثنين,2 يوليو , 2018 9:35ص

آخر تحديث: الإثنين,2 يوليو , 2018 9:35ص

وكالات

بقدرتها على التحليق عالياً، ألهمت الطيور البشر وحفزتهم على التطلع صوب الأعلى فعلاً ومجازاً.
ففي الطيور التي ترتفع في الفضاء ما يثير نفوسنا، ويدفعنا إلى التحليق معها لمعرفة مزيد عن عالم أكبر لا يزال يتمثل لنا بشكل ألغاز لا متناهية. وعلى مر التاريخ، تحوَّلت الطيور إلى مصدر للإلهام الثقافي والعلمي الدائم، وحملت معها رموز السلام والحرية والأسر والحكمة والهجرة والسلطة والتشاؤم والتفاؤل والوفاء…
ولأن عالم الطير واسع وسع الفضاء الذي يحلّق فيه، كان لا بد من أن تركِّز مهى قمر الدين في هذا الملف على التطلع إلى الفضاء الشرقي الذي ملأه الطير، من دون أن تمتنع تماماً عن التعريج غرباً، حيث يتسع المجال.

العلاقة ما بين البشر والطير فريدة من نوعها، تتجاور فيها مشاعر الحُب والاستلطاف مع القتل من دون رحمة، والشاعرية مع حسابات المصالح الاستغلالية. وفيما يطرب صاحب المزاج الحساس لتغريد عصفور، قد لا يرى المزارع في هذا العصفور غير لص يسرق ثمرة تعبه.

ومع أن المعارف تراكمت في عصرنا، ولم يبقَ هناك مفهوم أو ظاهرة غير خاضعة للتفسير أو التحليل، ومن ثم التوظيف، بقي الميل لدى الجماعات البشرية محتفظاً بهذه اللؤلؤة في صندوقه الغامض، والمتوارث. ربما بدافع من إبقاء شيء من خزين مخيّلته الأثيرة، التي تستعذب عنصر الغموض والتشويق الحكائي، حيث يتغذَّى وجوده الكوني بشطريه الواقعي، فقد نشأت عبر التاريخ علاقات مختلفة ومتناقضة أحياناً ما بين البشر والطيور، بدءاً من مراقبة الإنسان لها سعياً إلى اصطيادها ليقتات لحمها، وصولاً إلى مراقبتها في إطار ترفيهي بات يشكِّل أحد أعمدة السياحة في السنوات الأخيرة على مستوى العالم، مروراً باستغلالها عبر تدجينها وتربيتها كمصدر رئيس مثل الدجاج والبط والأوز والنعام والحمام، واقتنائها للتسلية والترفيه، إما لجمال منظرها أو لحُسن تغريدها وصوتها، مثل البلبل والكنار والببغاء.

وفيما يميل بعض الطيور مثل الجوارح الكبيرة إلى التعشيش والعيش بعيداً جداً عن الإنسان، هناك طيور تعايشت مع البشر مثل عصفور الدوري واليمام والحمام، التي تبني أعشاشها في المدن والقرى الآهلة، وتقتات مما تجده في هذه الأماكن من حشرات وحبوب وفتات طعام الإنسان. ولكن بشكل عام، يمكن القول إنَّ الطيور تخشى الإنسان، وتفضِّل الابتعاد عنه عندما يقترب منها. ولهذا “النفور” ما يفسره ويبرِّره.

فاستناداً إلى المصادر العلمية المختلفة، شهدت الفترة الممتدة من أواخر القرن السابع عشر وحتى اليوم انقراض ما لا يقل عن 128 نوعاً من الطيور بفعل ممارسات الإنسان. وتقدَّر مراكز دراسة الحياة الفطرية أن هناك 1200 نوع من الطيور اليوم مهدَّدة بالانقراض، إذا لم تُتَّخذ التدابير اللازمة لحمايتها.
فالصيد الجائر ليس وحده مصدر الخطر على الطيور، بل أضيفت إليه في العصر الحديث عوامل أخرى مثل تدمير بيئاتها الطبيعية بفعل الزحف العمراني، وبعض الممارسات الزراعية مثل رش المبيدات السامة، وصولاً إلى مرايا حصد الطاقة الشمسية، التي تُعدُّ أحدث مصادر الخطر على الطيور، ومحارق لها.
غير أنَّ في علاقة البشر بالطير ما يتجاوز هذه الأبعاد، لينغرس عميقاً في الوجدان الإنساني، وينعكس بوضوح في مختلف ثقافات العالم وآدابها وفنونها حضوراً للطير، ليس لأي كائن آخر ما يماثله في أهميته وتلوّن دلالاته.

تاريخها وبعض محدّداتها العلمية

علمياً، ليس من الضروري للطير أن يطير كي يكون طيراً، فمن الطيور ما تطور جينياً عبر العصور بحيث فقد قدرته على الطيران مثل البطريق والنعام. ويحدّد العلماء مواصفات الطيور على أنها : كائنات فقرية، يكسوها الريش، ذات أجنحة ومنقار خالٍ من الأسنان، تضع بيوضاً ذات قشرة كلسية، وتتميز بخفة هيكلها العظمي. وانطلاقاً من هذه المواصفات، أحصى علماء الحيوان نحو 10.000 نوع من الطيور الحية في عالمنا اليوم، تنتشر في كل البيئات الجغرافية من دون أي استثناء ما بين الصحارى المدارية والمناطق القطبية، أصغرها طنّان النحلة الذي لا يتجاوز طوله 5 سنتيمترات، وأضخمها النعام الذي قد يصل طوله إلى 2,70 متر.
وبتطور الدراسات الجينية، تأكدت في ثمانينيات القرن الماضي صحة النظرية القائلة إن الطيور الحالية هي آخر الديناصورات، بمعنى أنها تطورت من ديناصورات طائرة نجت من الانقراض الكبير الذي حصل قبل 65 مليون سنة. وبالتالي، يكون أجدادها الأوائل قد ظهروا في العصر الطباشيري قبل نحو مئة مليون سنة. وخلال ملايين السنين هذه، تطورت الطيور في أشكالها وسلوكياتها، وتنوَّعت لتتكيف مع مقتضيات البيئات الجديدة التي كانت تجد نفسها فيها.
فبعضها طوَّر قدرته على التحليق عالياً مثل النسور والصقور، وبعضها طوَّر دماغه لحاجته إلى الذكاء مثل الغراب والببغاء، وكثير منها طوَّر لون ريشه إما للتكاثر مثل الطاووس، وإما للتخفي مثل البوم الثلجي، وبعضها لم يجد ضرورة للطيران إما لتوفر الغذاء في محيطه وإما لعدم وجود مفترسات تهدِّده في هذا المحيط، فأهمل تطوير جناحيه وفقد لاحقاً قدرته على الطيران مثل البطريق والنعام اللذين أشرنا إليهما سابقاً.

هجرة الطيور

وإضافة إلى جمالها الشكلي وقدرتها على تحدي الجاذبية، تشكِّل هجرات بعض الطيور واحدة من أكثر العوامل على دغدغة الخيال البشري وتحريكه، كما لا تزال في بعض جوانبها مادة دراسات لا تزال تشغل العلماء حتى اليوم.
وهجرات الطيور هي رحلات موسمية بهدف التزاوج أو البحث عن المناخ اللطيف أو الطعام. وينطوي هذا الفعل على معطيات مثيرة للدهشة. فبعض الأنواع تجتاز في هجراتها ما يزيد على 50 ألف كيلومتر سنوياً، وبعضها قادر على أن يحلِّق في الهواء لمدة 100 ساعة من دون أن يحط على اليابسة للاستراحة. ويقال إن البقويقـة السلطانية مخططة الذيل تستطيع الطيران من دون توقف لمسافة 10000 كيلومتر تقريباً، وأن الجلم المائي الفاحم يتنقل سنوياً من نيوزيلندا وتشيلي إلى ألاسكا وكاليفورنيا في رحلة يبلغ طولها الكلي 64.000 كيلومتر.
ومنذ أن لاحـظ الإنســان أســراب الطيور تَعْبُر فضاءاتـه دورياً، وهو لا يزال يعمل على فك كثير من ألغاز هذه الظاهرة، من دون أن يلغي ذلك وقع هذه الهجرات على وجدانه وخياله كرمز للتحرر والانعتاق من قيود الزمان والمكان.

فعل الطيران.. أكبر التحديات في عمر الإنسان

منذ فجر التاريخ، شكَّل فعل الطيران أكبر التحديات التي واجهها الإنسان وخياله. وبعبارة يمكننا أن نصوغ الفكرة نفسها بالقول إن الإنسان لم يتوقف يوماً عن أن يحسد الطير على قدرته على الطيران، تدل على ذلك مئات الشواهد الأدبية والفنية التي وردتنا من مختلف الثقافات والحضارات. من الأسود المجنحة الأشورية إلى أبطال الأساطير الإغريقية من أمثال إيكاروس الذي حاول الطيران حتى الشمس بأجنحة صنعها من شمع، وميركور الذي كان يعتمر خوذة يعلوها جناحان، وكيوبيد الذي كان يرمز إليه بطفل ذي جناحين.. وصولاً إلى “سوبرمان” في القصص المصورة الحديثة.
ومنذ أن حلم الإنسان للمرة الأولى بالطيران، وحتى بضعة قرون خلت، كانت محاولاته في أن يتمكَّن من الطيران تقوم على تقليد الطيور والاعتماد على جناحين اصطناعيين، كما كان الحال عند عباس بن فرناس الذي نعرفه جميعاً. رغم أن دراسة آلية طيران الطيور بشكل علمي دقيق لم تتحقق إلا في القرن العشرين.
تعود بداية التفكير بالطيران من دون تقليد الطير إلى عالم بريطاني عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، يدعى روجر بيكون، الذي كتب دراسات ظلت غير منشورة لثلاثة قرون من الزمن، وتتحدَّث عن إمكانية صناعة آلة تمكِّن الإنسان من الطيران على متنها. وكان أول من وضع الأسس النظرية للمنطاد. وهو التفكير الذي تطور على أيدي مئات العلماء لاحقاً، ليثمر الطائرة الحديثة التي نستخدمها اليوم. ولكن…
عندما نتطلع إلى أي من الطائرات الحديثة، الكبيرة منها والصغيرة، المدنية أو الحربية، بهيكلها المستطيل وجناحيها وذيلها، يبقى الشبه كبيراً جداً بالطائر الذي تحدّى خيالنا منذ آلاف السنين على تقليده، مهما اعتقدنا أننا ابتعدنا عنه.

الطير في ذاكرتنا الأدبية

قد يكون كتاب «كليلة ودمنة» الهندي الذي ترجمه ابن المقفع إلى اللغة العربية في العصر العباسي واحداً من أشهر الكتب المصوّرة التي تهتم بالحيوانات والبهائم والطيور، وتروى القصص على ألسنتها وتتناول أخبارها. فنجد فيها حكاية الغراب الذي يشتكي من جاره الثعبان في قصة “الغراب والثعبان”، بينما تتنازع الغربان مع البوم في قصة أخرى، حيث يصف الغراب البوم بأنه: “أقبح الطير منظراً، وأسوؤها خُلقاً، وأقلّها عقلاً، وأشدّها غضباً وأبعدها من كل رحمة، مع عماها وما بها من العشا بالنهار وأشد من ذلك، وأقبح أمورها سفهها وسوء أخلاقها”. وفي قصة “القرود والطائر والرجل”، يحاول الطائر أن يشرح للقرود أمر اليراعة وأنها ليست بنار، فكانت نتيجة أدبه وموعظته لهم أن قطعوا رأسه، وهناك “قصة وكيل البحر مع الطيطوي” (وهو من طيور البحر) حيث احتار الطيطوي الذي كان يعيش مع زوجته على شاطئ البحر أين يخبئ فراخه ليحميهم من أذية وكيل البحر.
فالطيور تفكِّر وتتكلم، تماماً كما هو حالها في كتاب فريد الدين العطار (1145 – 1220م) ” منطق الطير” الذي يستخدم الطيور كرموز للدلالة على معانٍ أوسع. في منظومة شعرية من حوالي 4500 بيت، حيث تبحث الطيور عن طائر معروف باسم “سيمرغ”، يمكنها أن تجعله ملكاً عليها. والطائر المنشود هو طائر خرافي يحفل الأدب الفارسي بوجوده منذ القِدم ويعادل العنقاء في الأساطير العربية. ويروي لنا العطار أن الطيور تجتمع ذات يوم في مجلس، وتقرِّر البحث عن ذلك الطائر . فتقرّر القيام بالرحلة التي توصلها إليه. أما الدليل الذي تختاره ليقودها في هذه الرحلة الشاقة فهو الهدهد، “الذي كان هو مَنْ قاد نبي الله سليمان الحكيم إلى ملكة سبأ، الذي أنطقه الله تعالى إذ قال لسليمان: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ سورة النمل آية (22)، غير أن الهدهد ليس الطائـر الوحيد الذي يتكلم في “منطق الطير”، لأن الطيور كلها تتكلم (ومن هنا عنوان الكتاب).
ويبدو على عمل العطار التأثر الواضح بـ”رسالة الطير” للغزالي، حيث اجتمعت أصناف الطيور أيضاً على اختلاف أنواعها، وزعمت أنه لا بد لها من ملك. واتفقت على أنه لا يصلح لهذا الشأن إلا العنقاء. وعندما علمت الطيور باستيطان العنقاء في الغرب، عقدت العزم على الوصول إليها والاستظلال بظلها. فتناشدت:

قوموا إلى الدار من ليلى نحييها.. نعم، ونسألهم عن بعض أهليها

كما تدور أيضاً “رسالة الطير” لابن سينا في الفلك نفسه. حيث انطلق ابن سينا في رحلة مع مجموعة من الطيور أسرت في أقفاص، ولكنها تدبَّرت أمرها بالهرب مع بقاء حلقات تطوق أعناقها فأكملت رحلة شاقة في الجبال والأودية لتشتكي إلى الملك الأعظم. وعندما وصلت إلى بلاطه، تخلت عن شكواها، وتعلقت أفئدتها به فـ “كل كمال بالحقيقة حاصل له وكل نقص ولو بالمجاز منفي عنه”.
وحين عاد ابن سينا من الرحلة وروى للناس قصته لم يصدِّقوه، وقال أحدهم له: “أراك مس عقلك مساً، أو ألمَّ بك لمم، ولا والله ما طرت ولكن طار عقلك، وما اقتنصت بل اقتنص لبك، أنى يطير البشر أو ينطق الطير؟ كأن المرارة قد غلبت في مزاجك، واليبوسة استولت على دماغك. وسبيلك أن تشرب طبيخ الأفيون، وتتعهد الاستحمام بالماء الفاتر العذب و تستنشق دهن النيلوفر”.
وبعيداً عن الرمزية والطيور الناطقة، يخصص الجاحظ للطيور مجلداً في كتاب “الحيوان”، يفصِّل فيه ميزاتها ويصف سلوكها ويحدِّد أصنافها. وقد قيل إن الجاحظ اعتبر أن أروع ثلاثة أشياء في الدنيا هي البومة والكركي والمالك الحزين. فالبومة لا تظهر في النهار قط خوفاً من عيون الحساد الذين قد يجذبهم جمالها. والكركي لا تقف على قائمتين معاً قط لأنها تسير متهادية في رقة. أما المالك الحزين فهو يرقب الماء خلال تراجع المد، ويخشى انحساره عن وجه الأرض، مما يجعل دموعه تسيل حزناً.

وفي الأدب العربي، شعراً ونثراً، القديم منه والحديث، شواهد كثيرة على توظيف الطيور رمزياً في معانٍ أعمق.
فالغراب كان وما زال من أكثر الطيور وروداً في القصائد، حيث حمله الشعراء دلالات مختلفة كرمز للشؤم أو الموت أو الفراق، كما يجسد المعنى “عمر بن أبي ربيعة” في نعيق الغراب الذي ترتجف منه القلوب:

نَعَقَ الغُرَابُ بِبَيْنِ ذاتِ الدُّمْلُجِ
ليتَ الغرابَ ببينها لم يزعجِ
نَعَقَ الغُرَابُ وَدَقّ عَظْمَ جَنَاحِهِ
وَذَرَتْ بِهِ الأَرْياحُ بَحْرَ السَّمْهَجِ!

وتبقى صورة الغراب نفسها في الشعر الحديـث، فيستخــدم بدر شاكر السياب مثلاً هذا الطائر ليرمز به إلى الموت الذي يتوعد به الظالمين الغزاة:

أنا ما تشاء: أنا الحقيرْ
صبّاغ أحذية الغزاة ، وبائع الدم والضمير
للظالمين. أنا الغراب
يقتات من جثث الفراخ. أنا الدمار ، أنا الخراب

أما الحمامة، فلطالما كانت رمز السلام، كما تتجلى في قول محمود درويش:

يطير الحمام
يحط الحمام
أعدي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبك حتى التعب. . .
صباحك فاكهة للأغاني
وهذا المساء ذهب

وما بين الغراب والحمامة، هناك البوم الذي تستعيره غادة السمان رمزاً لنفسها في مجموعتها الشعرية “الرقص مع البوم”، لتصوره وهو يتطلع إلى الكون بعينين واسعتين فاحصتين، في نظرة مستقلة وثاقبة يرقب العالم من بعيد، وكأن هذا العالم قد حكم عليه بالعزلة لخوفه من أن يعمد نعيبه المتواصل إلى تعرية العيوب وفضح التخلف والجمود.

الطيور تخصصاً جامعياً

يشكِّل علم الطيور، ويسمى بالإنجليزية (Ornithology)، مادة دراسة جامعية، للحاصلين على شهادات البكالوريوس أو الماجستير في علم الحيوان أو علم الأحياء. وتمنح جامعات مرموقة عديدة مثل كورنيل وأوكسفورد شهادة الدكتوراة في هذا العلم.

وتتضمَّن غالبية مناهج تدريس هذا العلم:
• دراسة تصنيف الطيور ومدخل إلى مراقبتها
• بيولوجيا الطيور
• الطيور الشائعة والبريَّة
• الطيور البحرية والمائية
• الطيور الصيادة
• هجرات الطيور
• العناية بالطيور

كما أن هناك جامعات عديدة تدرِّس علم الطيور بالمراسلة. أما فرص العمل التي يوفرها هذا العلم، فهي في: مراكز الأبحاث، والإدارات الحكومية المعنية بالحياة الفطرية، والطب البيطري، والتدريس، والإرشاد السياحي.

وبعض الأقوال الغربية

كثرة الكلام هي مصدر خطر، والصمت هو وسيلة درئه. فالببغاء الناطق يؤسر في قفص، بينما ينعم غيره من الطيور بالحرية
الفيلسوف التيبتي ساكيا بانديتا

الكل يحب الطيور. فأي مخلوق بري وكوني هو أقرب منها إلى عيوننا وآذاننا في هذا العالم؟
مقدِّم البرامج العلمية في “بي بي سي” دايفيد أتنبورو

لو خُيّرت، لاخترت الطيور بدلاً من الطائرات
الطيار الأمريكي تشارلز ليندبرغ

الطيور التي تولد في الأقفاص تعتقد أن الطيران مرض.
المخرج السينمائي أليخاندرو جودوروفسكي

الطيور هي مؤشرات على البيئة. فإذا كانت تعاني من مشكلة، فهذا يعني أن المشكلة ستطالنا لاحقاً
العالم البيئي الأمريكي روجر توري بيترسون

إن كتابة كلمات أغنية تشبه الإمساك بطير من دون قتله.
الشاعر توم ويتس

على المرء أن يسأل العصافير والأطفال عن طعم التوت والكرز
الشاعر الألماني غوته

الطير في القرآن الكريم

لعل أبرز ما رسّخ حضور الطير في الوجدان العربي، هي المكانة الخاصة التي احتلها في القرآن الكريم، حيث ورد ذكر كلمة طائر وطير عشرين مرة لتدل على عظمة الخالق.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)﴾ سورة الفيل. هذه هي آيات سورة الفيل في القرآن الكريم التي نزلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، ليذكر قبيلة قريش بما فعله الله بأصحاب الفيل الذين حاولوا هدم الكعبة الشريفة.
ففي عام 570م انطلق أبرهة الحبشي وجيشه إلى مكة المكرمة يتقدَّمهم فيل، وعند اقترابهم من مكة أظلم النهار، وأقبلت أسراب من الطيور لتغطي السماء وهي تحمل في أقدامها ومناقيرها الحصى وشظايا الطين، ثم راحت ترمي بها كالقذائف على جنود الجيش الزاحف فلم تصب بها أحداً منهم إلا أهلكته. وانتهى الأمر بأن حفظ الله مكة والكعبة الشريفة على الرغم من قوة جيش أبرهة وعظمته. ولهذا سمّي هذا العام بـ “عام الفيل” الذي كان أيضاً عام ميلاد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
وقد تكون “معجزة الطيور” في تلك السنة أبرز دلالة على مكانة الطيور في القرآن الكريم الذي حفل بالآيات الكريمات التي تحدَّثت عن قدرات الطيور الفريدة التي منحهـا إياها المولى عز وجل، كقوله تعالى:
﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ﴾ سورة النحل الآية: [79]
وكقوله تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَج مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُج إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ سورة الملك الآية: [19].
وأكثر ما تدل عليه هذه الآيات الكريمات هو كمال قدرة الله تعالى وبديع صنعه وحكمته في خلق هذه الكائنات التي منحها قدرة فريدة ميزتها عن جميع المخلوقات الأخرى، إذ جعل لها جناحين تبسطهما وتقبضهما لتقاوم بهما الهواء وتتخلص من قوة الجاذبية وتحلق بحرية في الفضاء الواسع. أعطاها الله فرادة الشكل وخفة الوزن كما أمسكها عن أن تقع على الأرض كما تقتضي طبيعة الأجسام في الانجذاب إليها.

الطيور المكرمة

وكرّم الله بعض الطيور كالهدهد والغراب من خلال سرد قصصها في القرآن الكريم لتعلِّم الإنسان دروساً يحيا بها، ومنها قصة الغراب المعلِّم في سورة المائدة:
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِج قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ سورة المائدة الآية: [31].َ
ورد ذكر الغراب هنا في قصة قتل قابيل لأخيه هابيل، ليعلم بني آدم دفن موتاهم. ولكن لماذا اختاره الله سبحانه وتعالى من دون المخلوقات الأخرى ليكون المعلِّم الأول للإنسان؟ نجد الجواب في الدراسات العلمية الحديثة التي أثبتت أن الغراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق؛ فهو يملك أكبر حجم لنصفي الدماغ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة، كما أنه هو الطائر الوحيد الذي يقوم بدفن موتاه.
وهناك قصة الهدهد المخبر مع النبي سليمان، عليه السلام، التي تقول إن سليمان، عليه السلام، جمع الطيور في مجلسه ومن ثم نظر إليها واستغرب غياب الهدهد، كما ورد في سورة النمل:
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينََ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)﴾.
وعندما تأكد من غياب الهدهد عن مجلسه أراد أن يذبحه ولكن الهدهد جاءه بخبر ملكة سبأ “بلقيس” وقومها الذين يعبدون الشمس من دون الله، فكان سبباً في أن يدخلوا الإسلام على يد نبي الله سليمان ليكون الهدهد أول داعية لعبادة الله من الطيور.
وكذلك قصة بني إسرائيل مع طائر السلوى (يشبه السمَّان) في قوله تعالى في سورة البقرة الآية [57]:
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
وتبدأ حكايته مع بني إسرائيل، عندما خرج أهلها من مصر وطلبوا من نبيهم موسى لحماً، فأنزل الله سبحانه وتعالى لهم المنَّ لأن طعامه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، ثم أرسل لهم طائر السلوى أو السمَّان. ولكن بني إسرائيل جحدوا بهذه النعمة، فمنع الله عنهم المنَّ والسلوى، وكتب عليهم غضبه وسخطه.

الطيور في الأمثال الشعبية

على خلفية أدبية عميقة الجذور، شكَّلت الطيور عنصراً مهماً في تكوين الوجدان الشعبى فى البيئة العربية، الصحراوية منها أو الريفية. فأُخذت الأمثال من أفعالها ومن عاداتها، وأُطلقت الأمثال الشعبية التي تقارن بين أفعال الإنسان وأفعال الطيور، وراح العرب يتخيلون قصصاً أسطورية أبطالها من الطيور لصياغة مناسبة للأمثال التى يردِّدونها منذ قرون بعيدة.
تطول قائمة الأمثال التي تتحدَّث عن الطيور وتختلف باختلاف البيئات والمجتمعات التي خرجت منها، كما أن عدداً كبيراً منها شاع في مختلف الأرجاء، من أبرزها:

“إن الطيور على أشكالها تقع”
وهو المثل الذي يعود إلى كون الطيور لا تغرِّد ولا تجتمع إلَّا مع مثيلاتها. فكما أن الحمام لا يجتمع مع الصقور ولا النسور تجتمع مع البلابل. راح هذا المثل يُضرب على كل متشابهين من البشر في الطبائع والسلوك.

“اللي ما يعرف الصقر يشويه”
ويقال عن الشخـص الذي يهــدر عبثـاً شيئـاً قيِّمـاً من دون أن يعرف حقيقته.

“العصفور يتفلى والصياد يتقلى”
فيقال لتشبيه الشخص المستعجل الذي يريد التصرف بسرعة بالصياد الذي يشبه من يتقلى فوق النار وهو يتعذب بشدة، بينما يتصرف الطرف الآخر ببطء شديد، كالعصفور الذي يجلس براحته، ويفلّي ريشه وينظفه من القمل والبراغيث.
وهناك روايتان حول أصل المثل الشائع “عصفور باليد خير من 10 على الشجرة”. الأولى هي حكاية طويلة كل أبطالها من البشر، وعصفور فيها اسم رجل. أما الثانية، وهي الشائعة والأبسط فتقول إن شخصاً كان يحمل عصفوراً بيده، وأثناء سيره وجد مجموعةً من العصافير على الشجرة، فطمع بها وأفلت بالعصفور الذي بيده ليتسلق الشجرة ويحصل على مجموعة العصافير العشرة. ولكنّ العصافير، مع الأسف، طارت وطار معها عصفور اليد وصار صاحبنا خاوي اليدين . فكان المثل.

ويعود مثل “ضاع الخيط والعصفور” إلى القصة التي تقول إنه في يوم من الأيام اشترى رجلٌ لابنه عصفوراً صغيراً، ففرح به الصبي فرحاً كبيراً. ومن شدة فرحه به، وضعه على كف يده ولكن العصفور فرّ وطار. فحزن الفتى الصغير وراح يشكو ما حصل معه لأبيه، فما كان من الرجل إلا أن ذهب واشترى لابنه عصفوراً آخر، ولكيلا يحصل ما حصل مع ابنه مرة أخرى ربط الرجل العصفور بخيط متين، ثم قال لابنه: “يا بني .. امسك الخيط بيدك بقوةٍ؛ حتى لا يطير العصفورُ منك”. سرّ الصغير بعصفوره الجديد، ووضعه على كفه مرة أخرى، ولكنه نسي أن يمسك بطرف الخيطِ كما أوصاه أبوه، فطار العصفور وسحب معه الخيط المربوط برجله، فصاح الصبي : “يا أبي طار العصفور!”، فناداه الأب قائلاً له: “يا بني .. امسك الخيط .. كما أوصيتك”، فأجابه الصبي وهو يبكي: “يا أبي .. ضاع الخيط والعصفور”.

وتطول قائمة الأمثال التي تتحدَّث عن الطيور مثل “استعنا عالعصفور بالباشق” وهو المثل الذي يضرب عندما يستعان بالقوي على الضعيف، و”غراب يقول لغراب وجهك أسود” الذي يقصد به الشخص الذي يعيب على غيره ما هو فيه، و” كانت حمامة وطارت” ويقال هذا المثل للفرصة التي ضاعت من الشخص بعد أن كان على وشك أن ينالها، “غط الحمام، طار الحمام” ويقال للأمور التي تحصل بسرعة ولا تترك أثراً ولا تمنح الآخرين فرصة للتعامل معهان و”ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع”، ويقال للتحذير من السقوط الذي قد يلي إنجازات قد تدفع بأصحابها إلى الغرور.

حضور الطيور في الفنون الشرقية

عندما نرى بسهولة أن المكتبات تعج بمجلدات ضخمة يطول بعضها “الطيـر في الفن الصيني القديم” وبعضها الآخـر “الحمـام في أعمال بابلو بيكاســو”، تتضــح لنا استحالة الإحاطة بحضور الطير في فنون مختلف الثقافات. فماذا لو توقفنا حصراً أمام الفنون الإسلامية؟

في مصر القديمة

منذ نشوء الحضارة الفرعونية، كانت للطيور مكانة كبيرة عند المصريين القدامى. فقد تأثروا بها وعمــدوا إلى تصويرها على جـدران المعابـد والمقابـر؛ لما كانت لها من دلالات خاصة عندهم. فقد ظهرت في كثير من الآثار الفرعونية مشاهـد تربية الأوز والبط، وصور صيد الطيور المائية، إذ عرف المصــري القديـم الأوز والبط ونوعاً من الدواجن يسمى دجاج “الغرغر” أو الدجاج الفرعوني، تم تصويره على لوحة ساحة القتال المحفوظة بمتحف “أشموليان” في أكسفورد.
وظهرت أنواع عديدة من الأوز في لوحة “أوز ميدوم” على سبيل المثال، التي ترجع إلى عصر الأسرة الرابعة والتي تصور ثلاثة أزواج من الأوز تتغذَّى على الحشائش، ثلاثة منها تلتفت إلى اليمين، بينما تنظر الثلاثة الأخرى إلى الجانب الآخر في تناظر جميل. كما تعرف المصري القديم على خمسة عشر نوعاً من البط البري.
وقد وصل تأثر المصري القديم بالطيور إلى أن اتخذ منها رموزاً لغويةً للكتابة الهيروغليفية. فنجد طائر السمَّان يرمز لحرف”و”، وطائر البوم لحرف “م”، وطائر الصقر لحرف ثنائي النطق “ح”، وغيره من رموز من عالم الطيور.

وفي الحضارة الإسلامية

أما بالنسبة للفن الإسلامي، فأكثر ما حضر فيه الطير هو في صناعة الخزف والنسيج، ولكنه اتسم في معظم منجزاته بالابتعاد عن التجسيد والتجسيم، ولعل ذلك يرجع إلى نفور المسلمين من تمثيل الكائنات الحية. فالملاحظ في الزخرفة الإسلامية قلة استخدام عناصر زخرفية للكائنات الحية من الإنسان أو الحيوان. ولكن، على الرغم من ذلك، كان الطير الكائن الحي الأكثر حضوراً في فنون الرسم والزخرفة. وهناك قطع خزفية تعود إلى العصر الطولوني استعملت في تزيينها صور الطيور إلى جانب النباتات والنجوم.
وكثيراً ما كانت تصور الطيور مثل البط على الخزف المملوكي، فنراها على خلفية من الوحدات الزخرفية المزهرة تزين عديداً من الصحون والسلطانيات، وتتميز بإظهار بعض التفاصيل مثل الأجنحة والريش. كما تم تصوير الأوز، الذي يُعد من أجمل الطيور، على الأطباق والقدور والشقاقات التي وجدت مكسورة في الفسطاط، حيث كان هناك تنوُّع كبير فى تمثيله، فكان يرسم متتابعاً خلف بعضه بعضاً أو يرسم منفرداً يملأ ساحة الطبق. كما مثّل صناع الخزف من العصر المملوكي الصقور بكثرة، وكانت إما في منظر صيد أو استخدمت كرموز للسلاطين والملوك، حيث رسمت داخل رنك بهيئة خرافيه كالصقور ذات الرأسين. ومن أجمل ما صوره صناع الخزف الإسلامي في مدينة الرقة السورية ولاحقاً في إزنيك التركية الطواويس التي نجدها بكثرة مرسومة على خلفية من الوحدات الزخرفية المزهرة، سواء أكانت باللونين الأسود والأزرق أو المرسومة باللونين الأزرق والأبيض. وبعدد أقل ظهرت رسومات طير أبو منجل والحمام والعصافير الصغيرة بالإضافة إلى الغراب الذي يُعد من الطيور نادرة الوجود على الخزف المملوكي الأمر الذي يعود إلى أن الغراب رمز للفأل السيىء.
وفي ما يتعلق بصناعة النسيج والحياكة التي لاقت ازدهاراً في الحضارة الإسلامية بسبب الرخاء الاقتصادي والتقدم الحضاري والتشجيع الذي نالته المنسوجات وصناعاتها من الخلفاء والملوك والأمراء نجد كثيراً من رسومات الطيور المزخرفة الجميلة.
فمن العصر الفاطمي نجد أقمشة عليها أشرطة من الزخارف الكتابية والرسوم التي كانت تضم زخارف وصور حيوانات وطيوراً وآدميين. ومن المنسوجات التي صنعت في مدينة الموصل التي اشتهرت بمنسوجاتها الفاخرة التي نسبت إليها وسميت بالـ”موسيلين”، تحتفظ مدينة ليون الفرنسية بقطعة نسيج موصلي أهداها إليها أحد الفرنجة عقب عودته من القدس في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر ميلادي)، وتضم زخارف تتألف من دوائر كبيرة بداخلها رسم يسمى بشجرة الحياة، وهي تفصل بين رسم فيلين متماثلين ومتواجهين بالإضافة إلى صور طيور وسباع وشريط من الكتابة الكوفية.

ويحتفظ المجمع الإسباني للعلوم التاريخية بمدريد بقطعة من أقدم نماذج المنسوجات الأندلسية مصنوعة من خيوط الحرير والذهب ومزينة بشريط يضم رسوم أشخاص جالسين ورسوم سباع وطيور وحيوانات أخرى.

وفي ظل الحكم العثماني، حيث ازدهرت صناعة
المنسوجات الإسلامية لا سيما في هضبة الأناضول،
أنتجت المناسج أعمالاً رائعة من الديباج والمخمل
”القطيفة”، وقد امتازت هذه المنسوجات التركية
بالزخرفات النباتية والطيور ذات الألوان الرائعة.
أما ذروة حضور الطير في الفن الإسلامي، فقد كانت في فنون الهند خلال العهد المغولي. إذ، إضافة إلى الطاووس الذي كان قد أصبح رمزاً وطنياً وحضارياً، ظهرت عشرات الطيور في فن المنمنمات الذي استقدمه الأمبراطور جلال الدين محمد أكبر من بلاد فارس، وعمل على ازدهاره. فشكلت على اختلاف أنواعها مادة للرسم، إما ضمن مواضيع معيَّنة، وإما لتبيان أشكالها فقط. ومن مدينة لوكنو، ظهرت فكرة الطغراء التي تقوم على كتابة جملة قصيرة بالخط العربي في تشكيل يتخذ هيئة طير.

الرسم بعين الطائر

وبعيداً عن تصوير الطيور بطريقة مباشرة، استعان الفن الإسلامي بمميزات الطير بطريقة غير مباشرة، حين لجأ إلى الرسم بعين الطائـر. وهو ما يُعد أحد تقاليد المدارس الإسلامية في الرسم التي جاوزت حداً أصبحت معه لا تقنع بتسجيل زاوية النظر وحسب، بل تطمح إلى استيعاب المكان بكليته. ويقول نوري الراوي في دراسته “ملامح مدرسة بغداد لتصوير الكتاب” عن الرسم بعين الطائر إنها “تلتقي برسوم الأطفال وترتبط بها حسب المقاييس الفنية بأكثر من وشيجة. ومبدأ السقوف المخلوعة، واعتماد الفنان المسلم على الحقيقة الظنية للأشياء، تجعله يتجاوز الحقيقية العينية والبصرية الماثلة أمامه، إلى ما لا يراه الرائي. فهو حين يرسم النهر مثلاً، يتجاوز ذلك إلى رسم أنواع الأسماك الموجودة فيه”.

أغلى الطيور ثمناً في العالم

بسبب جمال أشكالها وألوانها، حضرت الطيور منذ غابر الأزمان في صناعة الحُلِي والمجوهرات، الباهظة الثمن والرخيصة منها على حد سواء. غير أن نبوغ بعض دور المجوهرات الكبرى في تصميم أعمال تمثِّل طيوراً، جعل من منتجاتها إيقونات شهيرة تدل مكانتها وتفوقها، تحتل أغلفة الكتب وتتناقلها المتاحف دورياً لعرضها ومن ثم ردّها إلى أصحابها. ويمكننا أن نعدِّد من هذه الأعمال الإيقونية أربعة:
• “عصفور على صخرة”، البروش الذي صممه جان شلومبرجر لدار “تيفاني” النييوركية عام 1965م، وكان في الأساس معداً ليكون العصفور جاثماً على ماسة صفراء تزن 128.54 قيراط. وبسبب شهرته، أعيد تصنيع هذا البروش مرات عديدة مع استبدال الماسة بأحجار كريمة أخرى مثل الزمرد والتورمالين، والأكوامارين.
• “طائر الفلامنغو” الذي صممته دار كارتيه الفرنسية بناءً على طلب دوق وندسور ليكون هديته إلى واليس سيمبسون التي لأجلها تخلَّى عن عرش بريطانيا. وقد بيع هذا البروش في عام 2010م بمبلغ 1.721.000 جنيه إسترليني.
• “طائر الفينيق”، بروش من تصميم دار فان كليف وأربيل في عام 1972م، تتدلَّى من منقاره ماسة صفراء تزن 96.62 قيراط، بيع في عام 2013م بمبلغ 10.5 مليون دولار، وهو رقم قياسي بالنسبة إلى هذه الدار.
• “طاووس غراف”، بروش من إنتاج دار غراف، يتضمَّن 1305 فصوص من الألماس، وتتوسطه على صدره ماسة زرقاء تزن 20.02 قيراط. ظهر إلى العلن في معرض ماستريخت في هولندا عام 2013م، وقدَّر الخبراء قيمته بنحو 100 مليون دولار.

في السينما هو الأقوى

يُضفي السينمائيون كل أنواع المعاني على الطيور عندما يراقبونها وهي ساكنة في أقفاصها أو عندما تبني أعشاشها أو في مرحلة وضع بيوضها أو عندما تفرد أجنحتها وتتباهى بها وتحلِّق بها عالياً فوق البشر. وكثيراً ما لجأ مخرجو الأفلام إليها لتمثيل مختلف المعاني والرموز على الشاشة. فمثلت الطيور الأشخاص المتمردين الذين يتحدون الأقوى منهم، كما في فيلم المخرج الروسي سيرجي آيزنشتاين بعنوان “أكتوبر” (1927) الذي يحتوي على مجموعة قوية من الصور المدهشة، بما في ذلك تصوير اقتحام “القصر الشتوي” الشهير في مدينة سانت بطرسبرج الروسية. وفي ذلك المشهد يستكشف آيزنشتاين كيف يمكن للرمزية أن تعمل من خلال الترابط بين الصور، إذ يظهر رئيس الحكومة المؤقتة القابع في القصر الشتوي، ثم ينقطع المشهد فجأة لتظهر صورة طاووس مزركش ويترك آيزنشتاين للمشاهد قراءة الرمزية المتمثلة في ذلك.
كما مثّلت الطيور في أفلام عديدة رموزاً عظيمة لقوى مذهلة. فالنسور في ثلاثية “لورد أوف ذي رينغز” (سيد الخواتم)، هي المخلوقات الوحيدة القادرة على هزيمة “النازغول” حراس الشرير “سورون” الأقوياء. وفي فيلم “هاري بوتر وحجرة الأسرار” (2002) يساعد طير الفينيق “فوكس”على هزيمة الزواحف العملاقة ثم ينقذ هاري من موت محتم بدموعه الشافية.
ويعطينا المخرج الشهير ألفرد هيتشكوك أعنف صورة لقوة الطيور في فيلمه الشهير “الطيور” (1963) حيث يتساءل: ماذا لو انقلبت الطيور على البشر؟ فمن منا يستطيع أن ينسى مشهد مدينة سان فرانسيسكو في هذا الفلم، حيث تنفجر محطات الوقود وتتصاعد ألسنة اللهب في مختلف أنحاء المدينة، ليدرك البشر أنهم ليسوا قادرين على حماية أنفسهم من هجوم الطيور عليهم ولا صد قوتهم الضاربة.
أما الأفلام الموجهة إلى الأطفال فتركز على ربط صورة الطير بمفهوم الحرية. كما يظهر لنا في فيلم “علاء الدين” (1992)، عندما تكون البطلة ياسمين قابعة في سجن قصرها وتطلق طيورها الأليفة من القفص وتراقبها وهي تطير نحو أشعة الشمس. ويعطينا فلم الرسوم المتحركة الكوميدي “هروب الدجاج” (2000) أفضل تمثيل لـلهروب الكبير للدواجن نحو الحرية والحياة.

تنوُّع صور الطير في وجدان الإنسان وفي علاقته به

على الرغم من سعينا إلى تلافي الخوض قدر الإمكان في الحديث عن بعض الطيور دون غيرها، لا بدّ لنا من التوقف أمام تنوُّع الأنماط التي يحضر بها الطير في الوجدان الإنساني من خلال بعض الأمثلة. ولما كانت القافلة قد خصَّت الغراب سابقاً بملف خاص، نقتصر في الحديث هنا على حفنة من الطيور غيره، وهي العقاب والطاووس والصقر والحمام الزاجل.

العقاب رمز سيادة الدول

العقاب من رتبة الجوارح، ويخلط كثيرون بينه وبين النسر، ومرد ذلك الخطأ في ترجمة كلمة Eagle الإنجليزية إلى نسر في العربية، في حين أن النسر هو بالإنجليزية Vulture، وهذا الأخير طائر مذموم لأنه لا يأكل غير الجيف وما تتركه له المفترسات من بقايا طرائدها. أما العقاب، فهو على عكس ذلك لا يأكل إلا من صيده. وبسبب قدرته على التحليق عالياً وقوته ومنظره المهيب، أصبحت صورته في وجدان الإنسان رمز التفوق والمهابة والعزَّة. فاتخذته دول وأمم عديدة شعاراً لها، ومنها: الإمبراطوريـة الرومانيــة، روسيا القيصرية، الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، النمسا، فرنسا على عهد الإمبراطورية، ألبانيا، إندونيسيا، أرمينيا، تشيكيا، غانا، إيسلندة وألمانيا.
وفي البلدان العربية، وبعدما كان العقاب شعار السلطنة في عهد صلاح الدين الأيوبي، كانت سوريا أول دولة في العصر الحديث تتخذ العقاب شعاراً لها، وكان ذلك في عام 1945م. وفي عام 1984، تبنت مصر العقاب الذهبي شعاراً جديداً لها. كما يحضر عقاب صلاح الدين في وسط شعار العراق.

والطاووس للأبَّهة التي لا أبَّهة فوقها

للطاووس مكانة تضعه على سُلَّم الطيور في مرتبة قريبة جداً من مرتبة العقاب، ولكن ليس لمهابته، بل لأبَّهته. فهو غير مخيف مثل العقاب، ولكنه باهر للنظر بحسن منظره الذي كان ولا يزال وسيبقى متعة للناظر إليه ومثار دهشة ببهرجته وزهوه بكثرة ريشه وتعدد ألوانه.
ومن أنواع الطاووس العديدة، يبقى الهندي هو الأجمل من دون منافس قريب. فالذكر يرفع ريشه بشكل استعراضي إلى الخلف على شكل مروحة رائعة يبلغ طولها خمس مرات طول جسمه في فترة التخصيب. وبعنقه وصدره الأزرقين اللامعين، وبأجزائه السفلية البنفسجية، واللون البرتقالي تحت الجناحين، والريش الطويل الأخضر المبقع ببقع زرقاء وفيروزية تشبه العين، يكاد الطاووس أن يكون حلية طبيعية ضخمة. ويضفي عليه جمع ريشه الطويل في شكل ذيل يجره وراءه أبهة، جعلت الوثنيين القدامى يعبدونه، قبل أن يتبناه مهراجات وشاهات شبه القارة الهندية شعاراً لهم، حتى إنهم صنعوا كراسي عروشهم على هيئته، وأسمَّوها “عرش الطاووس”، (بالهندوستانية: تخت طاوس)، كما بات الطير الأكثر تمثيلاً في فنون الهند وبلاد فارس، بدءاً بصياغة الحلي، وصولاً إلى فن تصميم السجاد الفاخر.

الصقر والصقارة

ولا يمكننا الحديث عن الطيور في الحضارة العربية دون الإشارة إلى الصقر الذي نظر إليه العرب فرأوا فيه الطاعة والبراعة والشجاعة والتمرد والمكابرة والتواضع والكرم والجسارة. وكأن كلمة صقر عندهم تتألَّف من أحرف ثلاثة: الصفير، والقذيفة، والرعب. ومن هنا اكتشفوا قدرة هذا الطائر على الصيد التي استخدمها الجنرال والفيلسوف الصيني سون تزو في كتابه “فن الحرب” كتشبيه عندما قال: “إن نوعية القرار هي مثل انقضاض الصقر المفاجئ الذي يمكنه من ضرب الضحية وتدميرها”.
امتزج الصقر بالبداوة، وعاش وترعرع فيها، وكأنه يستمد من كبرياء البدوي كبرياء نفسه. ويعود ظهور الصقور في منطقة الخليج العربي إلى بلاد ما بين النهرين، حوالي 2000 سنة قبل الميلاد. تدل على ذلك بعض الروايات عن الصقور في ملحمة جلجامش التي وجدت مكتوبة على ألواح من الطين في نينوى في العراق. وقد ورد في الكتب القديمة أن أول من صاد بالصقر بعد تدريبه وتعليمه هو “الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة”. كما تروي تلك الكتب قصصاً مختلفة حول هذه الريادة، ولعل أبرزها القصة التي تقول إن الحارث وقف ذات يوم عند صياد ينصب شباكه لصيد العصافير، فشاهد أحد الصقور ينقض على عصفور علق بالشباك. فأمر الحارث بأن يأتوه بالصقر، وأخذه ووضعه في بيته وخصص له من يطعمه ويعلمه الصيد. ومنذ ذلك الوقت عرف العرب الصيد بالصقور، وأصبحت لهذه الرياضة عاداتها وتقاليدها وآدابها. كما وضعوا خططاً وأساليب للصيد بالصقور وتدريبها وتعليمها مازالت
تشكِّل حتى هذه اللحظة أبرز خطوط وملامح هذه الرياضة.
وليس من المستغرب ارتباط رجل الصحراء بالصيد بالصقور بسبب الامتداد المكاني الذي من المستحيل مجاراته والتغلب عليه إلا بطائر يطوي هذه الآماد البعيدة ويقيدها بين جناحيه خاصة إذا كان هذا الطائر حاد البصر، يحدق في الأفق وكأنه قرب مخلبيه. فضرب العرب المثل بعين الصقر لجمالها وحدتها، كما ضربوا الأمثال بقوته الخارقة. فيُعد الصقر رمزاً للقوة وعزَّة النفس. ومن هنا يشبه به الرجال، ومن أشهر من لقب بالصقر عبدالرحمن بن معاوية بن هشام الأموي الذي لقب بـ”صقر قريش.”
وقد ذكرت الصقور في كثير من القصائد عند العرب لا سيما في ”شعر الطرد”، الشعر الذي يُنظم في الصيد.
واستمر الاهتمام بتربية الصقور لا سيما في دول الخليج العربي شعوباً وحكاماً. وظهر كثير من الدراسات حول صلة العربي بالصيد والصقر، وخاصة من الباحثين الغربيين ومن أبرزهم مارك ألن في كتابه “الصيد بالصقور في البلاد العربية”، والباحث روجر ابتون في كتابه “رياضة الصيد بالصقور عند العرب.. تاريخ لطريقة حياة”.
ويقدّر أن نحو نصف صقور الصيد في العالم هي اليوم في المنطقة العربية، حيث لا تزال الصقور جزءاً مهماً من التراث والثقافة العربية. إذ تنفق دولة الإمارات العربية المتحدة ما يقدر بنحو 27 مليون دولار سنوياً لحماية الصقور البرية والحفاظ عليها. كما أنشئت مزارع لتربية الصقور وإكثارها في المملكة ودولة الإمارات وقطر. وفي معرض “أديهكس”، معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية الذي يجري في كل عام، تُقام مسابقات تجميل الصقور. كما تحول الصقر إلى مقتنى ثمين، يمكن لثمن بعضها أن يصل في السوق السوداء إلى مليوني دولار أمريكي!

الحمام الزاجل سيد الحمام

يُعد الحمام الزاجل سيد الحمام في الدنيا من دون منازع لما أدّاه من خدمات جليلة في تاريخ الشعوب والحروب ونقل أخبارها إلى العواصم والأوطان.
ليس للحمام الزاجل نظام GPS تم توجيهه من خلاله إلى حيث نريد ولكنه كان، وعلى مدى عصور، بمثابة “البريد السريع” للمراسلة لأنه يمتلك ملكة الرجوع إلى موطنه مهما طالت المسافات. ومع أن أسباب قدرته الفريدة هذه كانت بمثابة لغز محير، فإن الدراسات العلمية الحديثة كشفت أن الحمام الزاجل لديه قدرة طبيعية على رسم خارطة المجال المغناطيسي للأرض يستعين بها في معرفة طريق العودة إلى موطنه.
استخدم الحمام الزاجل منذ العصور القديمة للاتصال عبر المسافات الطويلة. وبطبيعة الحال، كانت الرسائل تكتب بأحرف صغيرة على قطعة صغيرة من الورق أو الرق لكي تستطيع الحمامة حملها. وأول ما عرف استخدام الحمام الزاجل في مصر القديمة في عام 2900 قبل الميلاد، حيث كانت السفن الواردة تطلق الحمام كإعلان عن وصولها، كما كان الجيش المصري يستخدم الحمام الزاجل لتسليم الرسائل. وخلال العصور الوسطى أسس العرب لأولى خدمات البريد السريع باستخدام الحمام الزاجل. ووفقاً لإحدى الروايات، راق لأحد الخلفاء في شمال إفريقيا طعم الكرز اللبناني فاستخدم الحمام لتحمل إليه كل واحدة حبَّة من الكرز موضوعة داخل كيس من الحرير.
كما شجَّع الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل في البريد لما يمتاز به من سرعة فائقة في إعادة نقله إلى الأماكن التي ستطلقه مرة أخرى، إضافة إلى انخفاض تكلفة تربيته قياساً بالخيول والإبل، ولتكاثره السريع وطيرانه دون الحاجة إلى دليل أو مرشد، ودقته في الوصول إلى أهدافه. وكذلك لجمال شكله وألفته حتى تنافسوا في اقتنائه والعناية به وتوسيع دوره وتحسين نسله. فأخضعوه إلى مراقبة دقيقة، ونظموا له السجلات الخاصة بحركته، وخصصوا له المربين يدفعون لهم الأجور العالية لقاء ذلك.

بقي الحمام يمثل أسرع نظام اتصالات في العالم حتى اختراع صموئيل مورس للتلغراف في عام 1844م، واختراع ماركوني للإذاعة في عام 1895م. ولكن، على الرغم من ذلك، ظل الحمام الزاجل يستخدم لنقل عيِّنات الدم من المناطق النائية في بريطانيا وفرنسا، ويستخدم في الولايات المتحدة في اكتشاف حطام السفن من طائرات الهليكوبتر.
وفي شرق الهند، على سبيل المثال، لم يتوقف المسؤولون عن استخدام الحمام الزاجل كحلقة وصل بين مراكز الشرطة عن بُعد إلا منذ عام 1946م. وما زال تُجَّار المخدرات يهربون من التقدم التكنولوجى فى المراقبة عن طريـق إرسـال أسـراب من الحمام تحمل كل منها عشرة جرامات من الهيروين عبر الحدود بين بعض الدول الآسيوية.

في الفن من كهف لاسكو إلى بيكاسو

استوحى الفنانون على مر التاريخ كثيراً من الطيور لتصوير الظواهر الطبيعية الخارقة والقدرات البشرية الفائقة كحدِّة النظر وسرعة الحركة وقوة الانقضاض . ولعل أقدم تمثيل فني للطيور أو أجزاء من الطيور، هو رجل برأس عصفور يرجع تاريخه إلى ما بين 10000 و15000 قبل الميلاد، تم تصويره على أحد جدران كهف لاسكو في فرنسا الذي يُعد بحد ذاته كنزاً ثميناً لفنون العصر الحجري.
واعتبر المصريون القدامى الطيور “أرواحاً مجنحة” فكانوا يستخدمونها في بعض الأحيان لترمز إلى آلهتهم الوثنية، فوضعوا رأس صقر على جسم رجل في المجسم الذي يرمز إلى حورس.. وفي تمثال الملك خفرع، باني الهرم الثاني في الجيزة، والعائد إلى حوالي 2500 قبل الميلاد، يجلس الملك على عرشه ويظهر صقر حورس خلف رأسه بينما تغلف أجنحته كتفي الملك بمظهر يبدو فيه أن الطير يحرس الملك ويحمي ظهره. وكان الأمريكيون الأصليون الذين يعيشون على الساحل الشمالي الغربي في أمريكا، من فناني الطيور البارزين، حيث استخدموا صوراً مبسطة عن الغربان والنسور ومجموعات أخرى من الطيور التي كانت تُعد تلعب دوراً مركزياً في ديانتهم الوثنية، وصوروها على أقنعة الوجوه المنحوتة وعلى مختلف الأدوات الموسيقية. أما في الفن الصيني، فتشكِّل الطيور والزهور واحدة من الموضوعات الثلاثة الرئيسة في فن الرسم، حيث إن الاثنين الآخرين هما المناظر الطبيعية والأرقام. ولطالما تم الاحتفال بالطيور في فنون اليابان، بما في ذلك الرسم والطباعة على الخشب والسيراميك.
وفي عصرنا الحديث، قلّما نجد فناناً تمكَّن من تلافي تمثيل الطير في أعماله. غير أن حضور الطير، وتحديداً الحمام، لم يبلغ عند أي فنان المستوى الذي بلغه عند بيكاسو، حيث بقي حاضراً في أعماله على مدى ستة عقود متواصلة، أنجز فيها الفنان مئات اللوحات، وبأساليب وتقنيات مختلفة، لتمثيل إما حمامات منفردة وإما بجانب الإنسان. الأمر نفسه يكاد ينطبق على معاصره هنري ماتيس، وبدرجة أقل على الرسام الإسباني جوان ميرو ذي الرسومات التخطيطية الصغيرة التي تحتوي على الطيور وكائنات رمزية أخرى.

قصور الطيور العثمانية

احتفى الأتراك بالطيــور بتجـاوز اقتنائهـا في الأقفـاص إلى بناء بيوت وقصور لها عند أطراف الجوامع والمدارس والخانات والمنازل والقصور.
وشاع بناء هذه القصور ما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، وتطور بناؤها من أعشاش صغيرة بشكل ثقوب في الجدران لحماية الطيور من الحيوانات المفترسة أو سوء الأحوال الجوية، إلى قصور مصغرة تشبه المباني التي تلحق بها. ففي تلك الفترة جرت العادة أن يلحق بواجهة المباني الخارجية ما يبدو كقصر كامل مصغر وبارز لتسكنه الطيور المختلفة، مثل: السنونو، والحمام، واللقالق وغيرها. بدلاً من الأعشاش التقليدية. وكانت تلك القصور المصغرة تعرف باسم “كوش كوشكو أو “جناح الطير”وأحياناً باسم “سارشه سراي” أو “قصر الباشق”. وكانت تتمتع من الخارج بهندسة معمارية جميلة، حيث تفنن المهندسون في زخرفتها وإضافة مزيد من الخصائص والمزايا الجمالية إليها.
وكانت هذه التحف المعمارية المزخرفة تصنع من الطوب المجفف بالشمس والحجارة والخشب والرخام أو الطين النضيج، ويتم تركيبها في أجزاء عالية وآمنة من المباني، وعادة على الجانب المشمس من المبنى بعيداً عن مجرى الرياح. كما لم تكن تلك المنازل الفاخرة شكلية على الإطلاق. فكانت تحوي عدة طوابق وتضم شرفات واسعة وأحواض مياه داخلية، بل ومدرجات هبوط وإقلاع لتسهيل دخول وخروج الطيور إليها. ومع أن الغرض الرئيس لتلك المنازل المصغرة والفخمة إيواء الطيور، إلا أنها كانت تزود كذلك بالطعام والماء لإسعاف الطيور المصابة أو المريضة.. ومن أهدافها العملية أيضاً أنها كانت تسهم في منع فضلات الطيور من تلويث جدران المباني وتآكلها.
وقد شاعت تلك القصور في كل مدينة تقريباً إبَّان الحكم العثماني حيث أمكن رؤية عديد من الأمثلة الرائعة منها في إسطنبول وبورصة وأدرنة وغيرها.
ومع هذا، لا تزال بقايا آثار تلك البصمات الإنسانية الحنونة موجودة في بعض الأماكن بتركيا الحديثة ومنها الموجودة في مسجد سليمانية وتلك التي أنشئت بأمر السلطان سليمان القانوني في منطقة الفاتح وبجامع أيازما الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر في منطقة أوسكودار بإسطنبول، حيث يوجد هناك سبعة عشر منزلاً للطيور.

المصدر :مجلة القافلة، أرامكو السعودية

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

تابعنا: